10 سبتمبر 2025
تسجيلذكرت صحيفة (نيويورك تايمز) في عددها الصادر السبت بتاريخ 19 يناير أن العالم سوف يسترجع كلمات العقيد القذافي التي ظل يرددها طوال الثورة وهي أن سقوط نظامه سيؤدي إلى الفوضى وانتشار الإرهاب، وذلك في ظل الأزمة التي تشهدها مالي حاليا وتورط فرنسا في حرب ضد التنظيمات المسلحة والتي تسيطر على أجزاء كبيرة من البلاد، فما يحدث الآن في مالي هو امتداد طبيعي لتداعيات أحداث الربيع العربي في منطقة الشرق الأوسط، وهو مؤشر خطير مفاده أن انعدام الأمن والفوضى المسلحة ومظاهر عدم الاستقرار سوف لن تتوقف عند مالي بل ستنتشر انتشار النار في الهشيم في الكثير من بلدان منطقة شمال إفريقيا، مما سيقلب الكثير من الموازين ويغير الكثير من الخطط والاستراتيجيات الدولية تجاه المنطقة. بعد الإطاحة بالقذافي استولى الطوارق على كميات كبيرة من الأسلحة من المستودعات العسكرية للنظام السابق، باعتبار أن أعداداً منهم كانوا يعملون في جيش العقيد كالفوج التاسع والمغاوير واللواء 32، واستطاعوا بعد ذلك مد نفوذهم إلى مناطق في شمال مالي حيث تقاطعت مصالحهم مع مصالح فرع متطرف من فروع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وهو الكتيبة السلفية المسماة أنصار الدين، ومع اتساع نفوذهم بسطوا سيطرتهم على منطقة أزواد في زمن قياسي وأعلنوا عن قيام دولة أزواد المستقلة. ويمكننا القول إنه بقدر ما أعطى الربيع العربي ليبيا من مكاسب، إلا أنه أخذ من مالي أمنها واستقرارها ووحدة أراضيها، وتحولت النسمات الربيعية الليبية إلى رياح صيفية هوجاء جلبت معها حرارة الاضطرابات والتقلبات في مالي. وكان الرئيس المالي السابق (أمادو توماني توري) قد رفض السماح لأمريكا بإنشاء قاعدة (أفريكوم) الأمريكية في بلاده، والتي كانت تسعى لإقامتها منذ عام 2007، فأطيح به في انقلاب عسكري في مارس 2012 قاده النقيب (أمادو سانوغو)، الموالي لأمريكا، ولكن مارست فرنسا ضغوطاً سياسية من أجل تسليم السلطة إلى (ديونكوندا تراوري) الموالي لفرنسا والمؤيد بشدة لتدخلها العسكري في شمال مالي، وبالفعل تم تنصيبه في 12 أبريل 2012، وتم اختيار (شيخ موديبو ديارا)، الموالي لفرنسا أيضاً، رئيساً للوزراء في أبريل الماضي قبل أن يجبره العسكر على تقديم استقالته في ديسمبر الماضي وتعيين (ديانغو سيسوكو) بديلاً له. ونسبة لوجود تنافس محتدم الوطيس بين كل من أمريكا وفرنسا بهدف السيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية ذات الموقع الجغرافي الهام بجانب ثرواتها ومواردها الطبيعية الغنية بالبترول والغاز واليورانيوم، حيث كانت مالي في الأساس ترزح تحت ظل الاستعمار الفرنسي الذي أحكم سيطرته على معظم دول المنطقة، إلا أن دخول أمريكا على هذا الخط بكل ثقلها تحت مسمى مكافحة الإرهاب أكسب الأمر مزيداً من التعقيد، وزاد من قلق فرنسا على مصالحها في مالي ومخاوفها من زيادة نفوذ الانقلابيين مما دعاها إلى الإسراع في تدخلها العسكري في مالي لقطع الطريق أمام الأطماع الأمريكية التي تخدم مصالح واشنطن وأهدافها في المنطقة، باعتبارها فرصة ذهبية أمريكية لإعادة رسم خارطة العالم الجديد باستخدام نفس كلمة السر "الحرب على الإرهاب".