13 سبتمبر 2025
تسجيلعادت دوامة الفوضى إلى شوارع مصر مرة أخرى. كانت البلاد قد شهدت حالة ارتياح أو استرداد الأنفاس بعد انتهاء معركة قصر الرئاسة بإقرار الدستور. شهد الأسبوع الماضي موجة متواصلة من محاولات اقتحام أقسام الشرطة والهجمات على المحاكم وقطع طرق ومنع انعقاد مؤتمرات حزبية سياسية إضافة إلى استمرار منع مرور السيارات عبر ميدان التحرير وأمام قصر الرئاسة وإحداث التجمهر في كثير من الأماكن والمؤسسات. هذه الموجه جاءت مفاجئة وواسعة وموزعة في مختلف مناطق الجمهورية من مرسى مطروح إلى الإسكندرية إلى البحيرة إلى الغربية إلى القاهرة إلى دمياط إضافة إلى محافظات أخرى في جنوب البلاد. وقبلها عاشت مصر وقائع أحداث يومية دامية على قضبان السكك الحديدية. في كل يوم أعلن خبر عن اصطدام قطار بآخر أو بسيارة تمر عبر مزلقان، حتى صار البعض يحصي الأحداث والضحايا ويقارن بين ما جرى على مدار الشهر وما جرى في سنوات سابقة. والآن تنتظر البلاد أحداثا أخرى خلال الاحتفال بيوم ثورة يناير، ونتيجة لردود الأفعال المتوقعة للنطق بالحكم في مجزرة بورسعيد التي راح ضحيتها أكثر من 70 شابا مصريا. الآن عاد المصريون يسألون بعضهم البعض: هية البلد رايحه على فين؟ تلك الفوضى الجارية.. والأحداث المتوقعة.. لم تأت وحدها في المشهد بل جاءت مصحوبة بنمط آخر من الفوضى الاقتصادية. فمع استمرار الفوضى أمام محطات التزود بوقود السيارات وأزمة ارتفاع سعر الدولار وفوضى زيادة الأسعار المصاحبة لها، فوجئ المصريون برفع أسعار خدمة الهاتف الجوال بحجة زيادة الحكومة لضريبة المبيعات، واستمر الحال حتى كشفت الحكومة أن شيئا من ذلك لم يحدث فعادت الأسعار إلى ما كانت عليه. تلك الموجات المتتالية من وقائع الفوضى لم تصب المواطنين بالقلق والتوتر والتساؤل مجددا عن مصير البلاد فقط،بل دفعت الكثيرين للحديث عن وجود أطراف تقف خلف تلك الأحداث، ووصل الحال أن صار يقال إن هناك من السياسيين من يطلق تصريحات لتوفير غطاء سياسي لتلك الفوضى وأن حملة السيل المدرار من الهجوم الإعلامي المكثف على النظام والحكم واستخدام ألفاظ حربية الطابع، ليست فعلا عفويا أو حالة من حالات الشطط الإعلامي بل هي إحدى أدوات إثارة الفوضى والإرباك المتعمد. باختصار هناك من يرى أن مختلف صنوف الفوضى هي حالة منظمة ومخططة يقف وراءها من يدير ويدبر – في الداخل والخارج - وأن ما يزيدها خطرا أن الشرطة قالت إنها في إجازة لمدة أربعة سنوات هي فترة حكم الرئيس محمد مرسي! لكن العقل يقول إن ما يجري ناتج أيضا عن عدم التفرقة بين الحرية والفوضى، وناتج عن تصورات جرى إطلاقها بلا ضوابط عن كيف ستحدث الثورة تغييرا جذريا وفوريا في كل أوضاع البلاد، فجاءت المرحلة الانتقالية طويلة متثاقلة وتركزت حول بناء النظام السياسي وصراعات النخبة الفكرية والسياسية وحقوق القوى السياسية لا المواطنين فطال أمد انتظار التغيير الاقتصادي والاجتماعي وضعفت عمليات مواجهة ومطاردة الفساد فلم يتحقق ما تصوره الناس. وأن الدولة فقدت هيبة أجهزتها في أعين الناس وفي القدرة على تحديد توجهاتها وأن الجمهور العام في البلاد لم يكاشفه أحد حتى الآن بحقائق الأوضاع الاقتصادية والأمنية بما تركه نهبا للآخرين. لكن جديدا حملته موجة الأحداث الراهنة هو أن قطاعا متزايدا من الجمهور العام صار يرفض الفوضى ويرى الحكم بديلا قادرا على تطوير الأوضاع المصرية نحو الأفضل بعدما رأى نتائج الفوضى ومخاطرها والفارق الكبير بين أيامها والأوضاع الهادئة.