18 سبتمبر 2025

تسجيل

ذاكرة المكان

24 ديسمبر 2018

الإنسان كائن رمزي أساسا، الرمز يشكل وعياً وذاكرة للإنسان، يفرغ الإنسان شحناته في شكل رموز، تمثل له بعد ذلك ذاكرة تاريخية؛ وقد يكون هذا الرمز صخرة أو بيتاً أو صحراء شاسعة، الوطن في شموليته رمز لذلك، هاجس العودة للمنفيين والمبعدين هو هاجس العودة أساساً للرمز، أو ما يمثله مكان الولادة والعيش المشترك رمز للإنسان، لا يمكن المحافظة على التراث عندما تزال رموزه ستتلاشى حتما مع الوقت، فالمكان أبقى من الإنسان، فإذا ازلت المكان وهو ما يشكل الديمومة والزمن ؛ فان الوقت الذي يشكله الإنسان في هذه الدنيا زائل لا محالة. هذه المقدمة أراها ضرورية، لمجتمع يدخل في عملية تغيير كبيرة وسريعة تشتمل على إزالات شاسعة لبنية المكان في المجتمع القطري، خوفي على ذاكرة المواطن القطري كبير، سيبقى التاريخ رهنا لوجود جيل أو جيلين على الأكثر وبعدهما ستتعرض حتى الذاكرة الشفاهية للمجتمع للاختلال، حيث الذاكرة المكانية سبقتها في التعرض للإزالة والغياب. التضييق في مفهوم الهوية مع التوسع في عملية التحديث يؤدي لاحقا لإشكالات عديدة. عندما يعرف القطري بأنه من كان يسكن هذه الأرض أو المنطقة في فترة محددة سابقة ويأتي التغيير والإزالة عليها بعد ذلك، تتأزم الهوية وتتشرنق وتميل إلى الحدية بالتالي، لأن الاتكال سيصبح على التاريخ المروي الشفاهي الذي لا تستطيع التحكم فيه. في الغرب الشعوب تمتلك ذاكرة حية نشطة؛ نظرا لوجود المكان والشواهد التاريخية، لذلك لا معارك تقام باسم كتابة التاريخ ولا قتال ينشط باسم امتلاكه، الغربي ينتج لأن ذاكرته مستريحة وتعيش العصر والمستقبل، بينما ذاكرة العربي بشكل عام عليها أن تكون فعالة ونشطة دائما خوفا من سرقة التاريخ وتجييره أو إلغائه وشطبه. تمنيت لو استبقى التحديث جميع مناطق أهل قطر كما هي حفاظاً على هويتهم وتكون عاملا أساسيا لاشعارهم بكثرتهم وإن كانوا قليلي العدد؛ والرمز المكاني بُعد سكاني وعددي في حين الكثرة العددية دون مكان لا يشكلون سوى ذاكرة شعب أو مجتمع سرعان ما تتلاشى وتصبح ذكرى بعد أن كانت ذاكرة. [email protected]