12 سبتمبر 2025

تسجيل

السعودية والغدر بأهل الفزعة

24 ديسمبر 2017

بعد أن تمكن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (ابن سعود) من الاستيلاء على الرياض، وعرف كيف يضم لها مناطق نجد، وبعد أن قضى على خصومه الأساسيين، وشتت القبائل وأضعف قوتهم، وأنشأ وظيفة "المطوع" في القرى الجديدة، بدأ يعد العدة للتوسع شرقاً على حساب الدولة العثمانية. ذكرنا في المقال قبل السابق أن "العثمانيين استفادوا من الفتنة واحتلوا الإحساء كما استطاع ابن رشيد السيطرة على القصيم والعارض وسدير" وكان ذلك في 1871 (انظر الشرق 10/12/2017). استفاد ابن سعود من انشغال وانهزام العثمانيين في حرب البلقان (حروب وقعت في الفترة 1912 — 1913 بين العثمانيين واتحاد البلقان الذي كان يضم كلا من بلغاريا وصربيا واليونان والجبل والأسود). في البداية حاول ابن سعود الحصول على تأييد الإنجليز لاسترجاع الإحساء، ولكنهم رفضوا ذلك. فقام بالاتصال مع مؤيدي آل سعود في الإحساء والقطيف. وفي 1913 زحف بجيشه إلى الإحساء. وكان من ضمن جيشه، ولأول مرة، متطوعون من القرى التي أنشأها لتوطين أهل البادية، والذين قام "المطاوعة" بتجهيزهم لطاعة ولي الأمر (أطلق عليهم مسمى "إخوان من طاع الله"). وتحالف مع العجمان لتغزو معه ويأمن جانبها. وقصد بلدة الهفوف، وتسلق بعض جنده أسوار الهفوف ليلاً، واستولوا على كل المراكز العسكرية فيها. عندها نادى المنادي "الملك للّه ثم لابن سعود، ومن أراد السلامة فليلزم مكانه". ولأن الحامية العثمانية في الاحساء كانت قليلة العدد، وأسلحتها محدودة، فلم يقاوموا بل استسلموا، وقام ابن سعود بترحيلهم إلى العقير، ومنها إلى البحرين، ومن ثم إلى البصرة. وبعد أن أكمل سيطرته على كامل الإحساء، توجه إلى القطيف التي استسلم أهلها لابن سعود بدون قتال، بشرط أن لا يتدخل في شئونهم الدينية. وعين ابن عمه، عبدالله بن جلوي، أميراً على منطقة الإحساء، وبه تخلص من المنافس الثاني على حكمه. وفي هذه اللحظة بان غدره بمن آواه عندما كان مشرداً في البادية فطلب من بريطانيا، في عام 1913، ضم قطر إلى مملكته باعتبارها جزءاً من إقليم الإحساء، ولأن قطر من المناطق التي لم توقع اتفاقية حماية مع بريطانيا. طبعاً الإنجليز رفضوا مطلبه على شبه الجزيرة القطرية، وغضوا الطرف عن ما عداها (يعني أن ابن سعود استولى على حوالي ضعفي مساحة قطر الحالية لأن الاتفاقية الانجليزية العثمانية تؤكد على أن أراضي قطر تمتد من الدمام إلى الربع الخالي قريباً من واحة البريمي). ولكن استمر ابن سعود بمواصلة طلبه لضم قطر ككل، وانتهت تلك المطالبة صورياً عندما قام ابن سعود بتوقيع اتفاقية الحماية مع بريطانيا. حاولت بريطانيا، فيما بعد، استمالة ابن سعود لصفها في حربها ضد العثمانيين، وفي نفس الوقت نجد أن العثمانيين يحاولون جره لصفهم، ولكنه، ولعدم وجود مكاسب شخصية له، ظل على الحياد. عندها توجه العثمانيون إلى حليفهم السابق ابن رشيد وكان شرطه أن يساعدوه على ابن سعود، وكان له ذلك. تحرك جيش ابن رشيد، في 1915، باتجاه الرياض، وهنا وجد الإنجليز الفرصة المناسبة لاستمالة ابن سعود إليهم، فألزموه بكتابة مسودة معاهدة معهم تضمن بريطانيا مواقع ابن سعود في نجد والإحساء، وحمايته من الهجمات العثمانية من البر والبحر، مع إلزامه بعدم إقامة علاقات مع البلدان الأخرى بدون مشاورة تمهيدية مع السلطات البريطانية. وافق ابن سعود على اتفاقية الحماية، ولكنه طلب توقيعها بعد صد جيش العثمانيين وابن رشيد، فدخلوا معركته. والتقى الجيشان في موقع بئر "جراب"، ولكن كان تسليح العثمانيين لابن رشيد أقوى، فانتصر على ابن سعود، ولكن مطير أغارت على ابن رشيد فقلبوا انتصارهم إلى هزيمة، وبه أصبح ابن سعود وابن رشيد متعادلين، وغادر الجيشان أرض المعركة. وتوجه ابن سعود إلى الإحساء لمعاقبة العجمان، وانضم إليه بعض "الإخوان"، والتقى مع العجمان عند جبل كنزان. هزم جيش ابن سعود في المواجهة، وقتل شقيقه سعد (المنافس الثالث على الحكم). وانسحب ابن سعود ولجأ إلى حصن الكوت في الهفوف. وبدأ ابن سعود يطلب الفزعة (النجدة) من أمير الكويت، ومن والده بالرياض. وجاءته النجدة من والده، ومن الكويت، ومن منطقة القصيم. واضطر العجمان، تحت ضغط هذه الحشود، للتوجه إلى الكويت، وآواهم ابن صباح. ولكن بعد ضغط الإنجليز على ابن صباح ليتخلى عنهم اضطر العجمان لموالاة ابن سعود. وفي ديسمبر 1915 وقع ابن سعود اتفاقية الحماية مع الإنجليز، وسميت بمعاهدة "دارين" أو "القطيف"، وبها أصبح ابن سعود تحت الحماية البريطانية مثله مثل دول الخليج الأخرى. وبعد انهزام العثمانيين في الحرب العالمية الأولى عام 1918، حدثت مشكلة حدودية في "تربة والخرمة" بين ابن سعود والشريف الحسين بن علي ملك الحجاز، حيث كلاهما يدعي أنهما في منطقته، وحدث قتال فما كان من جيش ابن سعود المكون فقط من "الإخوان" إلا أن بادر بالهجوم ليلاً (يدفعهم إيمانهم بالجنة الموعودة في حالة الممات)، وكبدوا جيش الشريف خسائر فادحة في الأرواح ولم يهرب منهم إلا القليل. الأمر الذي نتج عنه منع أهل نجد من الحج لمدة خمس سنوات (سبحان الله فكل من منع الناس عن الحج انتهت دولته). ومع أن للكويت دورا كبيرا في مساعدة ابن سعود في استرجاع حكم أجداده، ولكن، في 1918، نقل ابن سعود للإنجليز أن الكويت ترسل أسلحة لدعم الدولة العثمانية مما جعل بريطانيا تفرض عليها حصاراً قاسياً. وبعد سقوط الخلافة العثمانية انتهى الحصار البريطاني على الكويت ومعه فشلت خطة ابن سعود لخنق الكويت وإضعافها لضمها إلى مملكته. قام ابن صباح في 1919، ولخوفه من توسع ابن سعود، بمحاولة بناء مدينة صغيرة على حدود الكويت الجنوبية في "خور بلبول". اعترض ابن سعود على هذا الأمر لأن هذا الخور، حسب زعمه، يقع في أراضي مملكته. وعليه أوقف ابن صباح بناء القرية حتى لا يثير مشاكل مع ابن سعود. وفي 1920، قام "الإخوان"، بتوجيه من ابن سعود، ببناء قرية لهم في "آبار قرية" (تقع ضمن حدود الكويت على حسب المعاهدة الإنجليزية العثمانية). اعترض ابن صباح على ذلك، فما كان من ابن سعود، الذي تنكر للكويت، إلا أن سير جيشه من "الإخوان"، بقيادة فيصل الدويش، إلى الكويت ليحتلها. تقابل الجيشان في الجهراء واحتلها "الإخوان" وحاصروا الجيش الكويتي في القصر الأحمر. ولكن جميع محاولاتهم لاختراقه فشلت وانتهى الحصار بالصلح بين الطرفين على أن تنسحب قوات "الإخوان" عن الجهراء. وظلت المشكلة قائمة حتى تم توقيع اتفاقية العقير في 1922 وبموجبها استولى ابن سعود على حوالي ثلث الأراضي الكويتية. ومع ذلك لم يترك ابن سعود الكويت في حالها، فقام، طمعاً في ضم أكبر عدد من أراضيها، بفرض حصار اقتصادي عليها. وفي الختام رأينا كيف أن الغدر صفة من صفات آل سعود وتمثل ذلك في محاولة ضم قطر والكويت إلى مملكتهم. وما فعله ابن سعود مع قطر والكويت يؤكد مصداقية وصية ابن سعود لأبنائه التي يقول فيها "إذا أخذتم إنشا واحدا حاولوا أن تأخذوا ذراعا ولا تطلعوا منه". ولكن هل اكتفى ابن سعود بما حصل عليه من أراض من جيرانه؟ سوف نواصل للإجابة على هذا السؤال. والله من وراء القصد،،