13 سبتمبر 2025

تسجيل

استراتيجية النظام المالي للاقتصاد القطري

24 ديسمبر 2014

صياغة قانون لتنظيم السياسة المالية للدولة سيعمل على وضع إطار متكامل من المواد القانونية التي تضم تحت بنودها القوانين التي تعني بالأموال، وتوحد الأنظمة المالية المعمول بها في كل القطاعات.فقد تابعت ما أعلن مؤخراً عن موافقة الجهات المعنية مثل مجلس الوزراء الموقر ومجلس الشورى ووزارة المالية وغيرها على صياغة مشروع قانون للنظام المالي العام، بهدف توجيه السياسة التنموية نحو أهداف تستشرف الرؤية الوطنية 2030، وتحدد حجم الإنفاق والمصروفات والإيرادات في جميع المجالات.هذه الرؤية المالية الموحدة جاءت في وقت دقيق يمر به عالمنا الاقتصادي اليوم، وما يعصف به من أزمات مالية وتذبذب أسعار ونزاعات في منطقة الشرق الأوسط أضعفت بل وأثرت سلباً على أوجه الإنفاق على مختلف مناحي التنمية.فقد ركزت الاستراتيجية المالية لقطر على رسم رؤية واقعية قابلة للتنفيذ في قطاعات الصناعة والطاقة والبنية التحتية والخدمات، وتحديد معالم الأموال العامة، وأوجه الموازنات التشغيلية والإضافية والملحقة، إضافة ًإلى تحديد الاستثمارات، بما يضمن توجيه الإنفاق إلى طرق مثلى.وأؤكد هنا أنّ النظام المالي الجديد سيوفر الكثير على الموازنات من حجم الإنفاق والمصروفات، بشكل منهجي يواكب مستجدات التنمية، بالإضافة إلى كونه ركيزة مالية وأرضية قوية من الإيرادات بما يعزز من قدرة الدولة بكافة مؤسساتها على النهوض بمشروعات عملاقة.ولعل أبرز من ركزت عليه السياسة المالية هي الأموال العامة، التي تنفق في أوجه الأنشطة الاقتصادية، وفي المشروعات والبرامج التي تنفذها الأجهزة، وهي عملية تنظيمية ومنهجية ودقيقة ترسم احتياجات السياسة التنموية بناءً على المتطلبات.والمتابع اليوم للاقتصاد العالمي، يجد أنّ الانهيار المالي في الصناعات والتبادل التجاري والأسهم وأسواق المال يمكن أن نصفه بأنه فجوة جديدة وخلل في الأنظمة العالمية التي ما لبثت أن تسببت في تذبذب أسعار العملات وتهاوي أسواق المال، عندما ضعفت سبل الإصلاح الاجتماعي والبطالة والفقر والصراعات السياسية في كثير من الدول.وكلنا يتابع تداعيات أسواق المال والمخاوف العالمية من حدوث انهيار أو أزمات مالية قد تكون أشد وطأة ً من أزمة 2008 التي نجحت بعض الحكومات في تفاديها، والبعض الآخر ما زال يعاني منها حتى يومنا هذا.وكان صندوق النقد الدولي قد ذكر في تقريره، أنّ أوروبا ما زالت تعاني من التعافي الهش في اقتصاداتها، وفي تراجع ثقة المستثمرين، واتساع هوة الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، الذي أدى بدوره إلى كبح رغبات المستثمرين في بناء مشروعات جديدة، وتوقف الصادرات في الكثير من الدول التي تنتشر فيها الاضطرابات.وحذر أيضاً من ارتفاع أسعار الفائدة في الكثير من دول العالم، وأنه يتزامن مع التعافي غير المناسب لخروج أوروبا من كبوتها، وترافق كذلك مع النمو الهش للأسواق الناشئة، التي انعكست على المجتمعات الغربية وأدت إلى موجة من التذمر اجتاحت الأسواق.أضف إلى ذلك الظروف الراهنة التي يمر بها الشرق الأوسط من تفاقم الاضطرابات السياسية، وتراجع ثقة المستثمرين في تنفيذ مشروعات جديدة، وضعف نمو المشروعات القائمة، وتذبذب أسعار العملات، وارتفاع أسعار النفط، وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، الذي انعكست آثاره على الجانب الاقتصادي بالدرجة الأولى، فتوقفت عجلة النمو وتراجع الأداء في الكثير من أنشطتها التجارية والتنموية.من مظاهر الأزمة كما وصفها النقد العالمي، هو انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، وانخفاض معدل نمو الصادرات، وانتشار البطالة وقلة العمل المنتج، وحدوث ظاهرة التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة والذهب والنفط.وكانت التحليلات الاقتصادية أشارت في وقت سابق إلى انقسام الاقتصاد العالمي إلى اقتصادين، الأول: يضم الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان، وهو يعاني من الديون المثقلة التي ارتفعت نسبتها من 46% في 2007 إلى %70 في 2011، ويتوقع الخبراء أن تتفاقم إلى %80 في 2016.والنوع الثاني: يضم الدول المتصاعدة مثل الصين، التي أسهمت بنسبة 66% في زيادة الناتج العالمي بين سنوات 2007 ـ 2011، والتي لم يتجاوز دينها الحكومي نسبة 28% في 2007 ومن المتوقع أن ينخفض إلى 21% في 2016.أضف إلى ذلك ما ذكره صندوق النقد أنّ دول أوروبا فشلت في تحقيق نموذج ملائم للنمو، بسبب تراخي الدول الغنية في اتخاذ إجراءات حاسمة، لتقديم الدعم المالي للدول الأقل حظاً، وأوروبا ذاتها تعاني من الكساد والبطالة والفقر وانهيار البورصات وأنظمتها المالية.وبلا شك فإنّ التأثير المتصاعد لأسواق المال سيؤثر على القرار السياسي لدول اليورو، وهو يشكل ضغطاً أكبر على الحكومات للتحرك لإنقاذ أنظمة المال المتهاوية. فقد ذكر الصندوق أنّ العالم بحاجة إلى مزيد من الجهود للتعامل مع الديون الحكومية والمصرفية الهائلة، التي تواصل التأثير على معدلات النمو، وتقوض استقرار الأنظمة المالية، وأنه بسبب النمو المتأخر الذي تمّ الاتفاق عليه في 2010، إلا أنه لم ينفذ حتى الآن حيث إن عامل الوقت لم يعد مجدياً وكافياً لفعل شيء.هذا التحذير الذي أطلقه مؤخراً بسبب فشل الدول الأوروبية في صياغة حلول مالية كبيرة وقادرة على إنقاذ بنوك صغيرة، وتزايد الاستثمارات المحفوفة بالمخاطر التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية، والصعوبات التي تقف عقبة أمام اقتصادات الدول الناشئة، والإنفاق الهائل على مشروعات البنية التحتية والإصلاحات.وذكر أنه رغم تشجيع صناع القرار في أوروبا وأمريكا على طرح الإصلاحات الأكثر عمقاً في أسواق العمل الخاصة بهم، مثل اللوائح والأنظمة التي تقيد حركة التجارة، وتهدف إلى وضع أجندة للسوق، وتحفيز معدلات النمو وخلق مزيد من فرص العمل.وأشير هنا في الختام إلى أن قطر حرصت على اتخاذ خطوات إنقاذية وقت أزمة 2008، وعملت على مساندة ودعم البنوك والمصارف والأجهزة المالية بالدولة، مما جنبها مخاطر الهوة، والتي تعاني منها دول كثيرة، وهذا ينطلق من رؤية الثقة والمتانة والكفاءة التي توليها الحكومة للقطاع المالي.