14 سبتمبر 2025

تسجيل

أليكسا وفضائح المسؤولين

24 ديسمبر 2013

في بلادنا لم يعد هناك فرق بين العواصف الثلجية والعواصف السياسية فالفشل يلاحق الحكومات دائما، فكلها قواصف لا يمكن تخيل ردود فعل المسؤولين الرسميين عليها، فكل ما نسمعه من تنظير وحكايات ألف تصريح وتصريح، وفذلكات مؤلسنة للوزراء كبار المناصب، يضيع فجأة على طاولة الأزمة كما يضيع دخان سجائرهم مع رياح الشتاء القارس الذي أطاح بآخر ستارة تخفي العفن والتسوس الذي نخر البنية السياسية والقيادية في أكثر المدن كثافة، وتكشفت عورة البنية التحتية التي أنفقت الحكومات حسب إعلاناتها للموازنات عشرات ومئات الملايين من الدولارات لبنائها أو ترميمها كل عام، قبل أن تأتي "أليكسا" البيضاء الجميلة، لتعصف بآخر أوراق التوت المنافق. أليكسا عاصفة ثلجية غير مسبوقة، مرت على عدد من البلدان العربية على بلاد الشام، وهي لا تختلف عن المنخفضات والعواصف الثلجية التي تجتاح بلاد أوروبا ومع هذا فإن التعامل معها هناك بات معتادا عليه عندهم لأن المؤسسات هناك مستقرة، فيما بلادنا لا تزال تعمل على نظام الفزعة والتقليد والمحسوبية وأحيانا كثيرة الفئوية والإقليمية، فالشلل أصاب عاصمة كبرى مثل عمان لأسبوعين رغم الكلام المعسول لمسؤولبن في الحكومة والبلديات، ولولا تدخل الملك والجيش لتفاقمت المأساة في كثير من المناطق. في الأردن ظهر الفشل بشكله الصادق البشع في التعامل مع الأزمات والكوارث الطارئة، وتبادل الجميع الاتهامات ولم يتحمل أحد المسؤولية الأدبية، بل لم يتقبل أحد الاتهام له بالتقصير، ولهذا نسأل بخشية: ترى لو وقعت كارثة أكبر لا قدر الله، زلزال أو حرب شنها أي من الأصدقاء، هل سيستطيع المواطن تحمل غباء أو نكوص أو فساد المسؤولين الذين لا أمل في تطور جيناتهم الوظيفية، ولا ارتقاء أخلاقهم الوطنية، فليس هناك من هو مستعد للموت بردا من أجل الوطن والمواطن. وغير بعيد عنا نرى غزة وقد اختطفتها أشباح أليكسا بشكل فاضح، فهوت بها وبسكانها إلى واد سحيق من البرد القارس والبحيرات المتدفقة، وغرقت البيوت وانقطعت الكهرباء التي لا يصل تيارها أصلا إلا حسب رحمة من لا يخافون الله في أطفال ذلك الشعب المقتول حيا، ومع هذا فقد مر أسبوع ثان عليهم ولم يتحرك أحد، بأكثر مما تحركت الألسن التي اعتادت الكذب مع كل أزمة تعصف بهذه الأمة، ولا تزال المحطة الكهربائية تعمل مؤقتا بفضل الوقود الذي دفعت قطر ثمنه قبيل العاصفة، فيما مسؤولو المال السياسي العربي مشغولون بما هو أهم من موت وتشريد وجوع آلاف الأطفال وملايين العرب في غزة المحاصرة من قبل أعدائنا حسب اعتقادنا. في الأردن أيضاً لم تتحرك ناقة واحدة لتحمل تمرا أو عباءة قد تساعد في حمل الدفء إلى الشعب الشقيق من أي حكومة شقيقة، ورغم تردي الظروف المالية والأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها الأردن شعبا واقتصادا فلا أحد يريد أن يمد له يد العون، رغم وجود أكثر من مليون لاجئ سوري على أرضه في استنزاف واضح للموارد والمواد الأساسية، وقد يكون للدول التي تمنح عادة عذرها في آلية الوصول للشعب، ولكن لا أحد أبدى تعاطفه على الأقل. وهذا ما حصل أيضاً لدى الأشقاء في فلسطين، القضية لم تغدو عن كونها استعراضات سياسية وعرض حال قام بها مسؤولون وأصحاب المصالح الكبرى على حساب الشعب المذبوح، إلا القرار القطري بتمويل إعادة بناء البنية التحتية التي دمرت في قطاع غزة، أما الضفة الغربية فمسؤولو السلطة ما زالوا في تجارتهم السياسية يناكفون ويقتحمون المدن لاعتقال الناشطين ضد إسرائيل. في المقابل نرى في دول شقيقة تخصص حكوماتها ميزانيات ضخمة للبنية التحتية وتدعم الأعمال الإنشائية للقطاع العام لخدمة المواطنين، نرى كيف تغرق مدينة مثل جدة أو الرياض، وكيف تفعل السيول الجارفة أفعالها بالناس والبيوت، ولعل هذا يدل على قصر نظر في التخطيط للمدن رغم الإمكانات المادية الضخمة، فالذين يقومون على التخطيط للمدن ينظرون كيف يرسمون الجمال على أطراف الشوارع المتسعة بينما ينسون أن هناك أساسا غير مرئي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار لبناء مدن وأوطان تدوم لعشرات بل مئات السنين. ولعل في بلاد كأوروبا والعالم غير العربي أسوة لهذه الأمة، فقد دخل الإيمان بالأوطان قلوب مسؤوليه منذ بدأت ثوراتهم على واقعهم المرير منذ عقود، فلا نجدهم يشكون من الكوارث كما نشكو نحن من العواصف، فهناك شفافية ومحاسبة وتحمل للمسؤولية من قبل الجميع، فهل نصل نحن العرب إلى منتصف الطريق الذي وصل إليه العالم غير العربي وغير المسلم، والذي تهوي إليه أفئدة المعذبين في أرض العرب، بحثا عن العيش الكريم والإحساس بقيمة الإنسان، ولهذا أسمونا العالم الثالث.