11 سبتمبر 2025

تسجيل

(المعروف يدفع بلاء الظروف)

24 نوفمبر 2021

أعمال الخير كثيرة، منها ما قد يكون بذلاً من مال وعطاء، ومنها ما قد يكون بشق تمرة وغذاء، أو تسقي كبد رطبة أو تروي ظمأ عابر أو عابرة أو تُنقذ شجرة أو نبتة ذابلة بالماء، ومنها ما قد يكون كلمة حق تُنصف بها مظلوماً، أو هدية تٌفرح بها قلب محروم، أو كلمة حسنة تٌخفّف بها معاناة أحد مهموم، المعروف له أبواب عديدة، أجملها عندما تُعطي دون أن تنتظر رد الجميل، وأصدق المعروف العطاء دون انتظار مقابل، فقط العطاء ابتغاء رضا الله تعالى. في إحدى المرات التقيت برجل كريم متواضع وخلوق ذي مروءة وشهامة لا يعرف للكِبْر مسلكاً، يُكرم كل من يطلبه حاجة وإن كان من المارة، يُعطي ويتصدَّق من حُرِّ ماله ويُخفي ذلك الفعل عن أقرانه، لا ينتظر رد الجميل ولا يتمنن بذلك الفعل النبيل، بل في إحدى المرات وأنا قريب منه سألته: لقد أذهلني عطاؤك لكل من تعرفه أو تجهله، ألا تخشى أن يستغلُّوك لطيب فعلك وسخاء كرمك؟، رد بجملة أذهلتني قال: لقد أعطاني الله نعمة المال وخصّني بفضل قضاء حوائج الناس وقرّب لي شرف صعب المنال، وأنا والحمد لله في عافية ورزق ونعمة وفي أحسن حال، وأفعل ذلك ما وسعني، فهل أغلق باب خير ساقه الله لي؟، وما قيمة المال إذا لم يكن للمحتاج السائل منه نصيب؟، صَمَتُّ لحظة متأثراً ومتأملاً بكلامه وخجولاً من سؤالي، ثم قلت له وإذا علمت أن من أعطيته يتحدث عنك بسوء أو يقول عنك ما ليس فيك، وربما يشعر الجاحد بأنه قد استغل طيبتك فهل تحزن من ذلك؟، قال: "المرء ميزان نفسه"، فإن شكر الله لنعمة أعطاه الله إياها كُتب من الشاكرين وإن جحدها فالله سيجازيه مثل ما يفعل، لست أنا من أعلم نوايا البشر، فالطبع يغلب التطبع وأنا طبعي أن أعطي باستطاعتي دون تردد، ولست أنا من يجازيهم أو يعاقبهم، من طلبني وأنا أستطيع أن أساعده سأقدّم له يد العون ابتغاء رضوان الله "وما عند الله خير وأبقى". ورأيت بعد ذلك الشخص أشخاص عظماء يفعلون الخير مثله وأكثر دون أن ينتظروا مقابلاً، لقد كنت فخوراً في يوم من الأيام أحدهم كان متواضعاً كريما ذا مكانة مرموقة، ترى من فعله صفات خصّه الله بها واستحق مكانته في المجتمع بكل جدارة كان دائما يقول لي: يا صديقي ستعرف يوماً ما عندما تفعل الخير تأكد أنه عائد إليك يوما ما وسيبارك الله لك في رزقك، نتعلم من مثل هؤلاء أصحاب النفوس النقية الكثير ونسعد بأفعالهم الخيِّرة دائما وأبداً. التأمل في صفات هؤلاء الأنقياء شيء يبعث الفخر بالنفس ويجعلنا نسلّط الضوء عن مثل هذه النماذج التي تستحق أن يُكتب عنها بحروف من ذهب، وأن يتم تداول قصصها، كل الأفعال الخيّرة تبقى وإن غاب صاحبها وتدفع بلاء بفضلها وتجلب الرزق ببركتها، وعندما سُأل أحد الحكماء: ألا تحزن عندما يتجاهل معروفك من أحسنت إليه؟، تأمل قائلاً: ما انتظرته ليُحزنني ولا ليشكرني ولا ليُجزيني، ويكفيني قول الله تبارك وتعالى "فإن الله لا يضيع أجر المحسنين"، وقد قيل: صنعُ الجميلِ وَفعلُ الخيرِ إِنْ أُثِرا" أبقى وَأحمد أَعمال الفتى أَثَرا". الإحسان في المعروف يدفع عنك بلاء الظروف، فقدم الخير أينما تستطيع ويأتيك الرزق والجزاء من عند الله أينما تكون، اذكر الله في رخائك يذكرك في شدّتك والحسنة بعشر أمثالها، وكما قال رسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام "إن صدقة السر تطفئ غضب الرب، وإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وإن صلة الرحم تزيد في العمر وتقي الفقر، وأكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة، وإن فيها شفاء من تسعة وتسعين داء أدناها الهم". لذلك عمل المعروف يدفع بلاء الظروف فكن ممن يٌقدم الخير اليوم ليرى فضله غداً و"صانع المعروف لا يُنسى" وإن غاب لا يغيب ذكره. @fyicl