14 سبتمبر 2025

تسجيل

بين التظليل.. والتضليل

24 أكتوبر 2023

إن المتابع للتغطية العالمية للحرب على غزة يجد حجما لا منتهياً من التضليل والتظليل الإعلامي، سواء كان على مستوى مؤسسات إعلامية كانت حتى وقت قريب يظن الناس أنه بقي فيها ما بقي من حرية الرأي والتعبير والاستقلالية في النشر، أو على مستوى إعلاميين كانوا شرسين في الدفاع عن العدالة والإنسانية في قضايا كثيرة على كافة المستويات وبأشد السبل. هناك جدلية بأن قول الحقيقة ولو لم تكن كاملة حقيقة، لكنها في الواقع ليست كذلك، بل هي تضليل للرأي العام، إخفاء جزء من الحقيقة قد يؤثر على كل الحقيقة، لأنه قد يكون الجزء الأهم من الحقيقة، وهذا ما يفعله الإعلام الدولي اليوم، فهو يمارس التظليل على ما يريد الصهاينة إظهاره، بالتركيز عليه، والتأكيد على ما يأتي به، ووضعه خطوط حمراء تحته وألوان تظليل عليه ليبرز ويكبر ويصل لأكبر قدر ممكن. وفي نفس الوقت يمارس الإعلام التضليل الإعلامي بإخفاء الحقيقة، ونشر الكذب، سواء بشكل مباشر كما شاهدنا مراسلي القنوات وحتى رئيس وزراء ألمانيا نائمين على الأرض خوفا من صواريخ حماس بينما يسير الناس بجانبهم بشكل طبيعي، وصولا لترديد الكذب الذي يردده البيت الأبيض أو الكيان الصهيوني (حتى لو تم نفيه لاحقا). ليست هناك خيبة كبيرة بالنسبة لمن يعمل في الإعلام، لكنها خيبة كبيرة للعمل العربي المشترك في هذا المجال، للجمهور العربي الكبير، لقضايانا الكثيرة التي كنا سببا اليوم في أن تكون في ذيل كل القضايا الدولية أياً كان شكلها أو نوعها. لقد حذرنا كثيراً من أن استخدام الإعلام والسينما في وطننا العربي للسخرية من قضايانا القومية الكبرى، قيمنا الدينية والاجتماعية الراسخة، ستصل بنا لهوة لا يمكن الخروج منها، واليوم نصل إليها. لقد حذرنا أن العرب لا يقومون بأي جهد لمحاربة التضليل الذي تمارسه هوليوود بشكل مستمر على صورة العرب والمسلمين، على سيطرة اليهود على سلطة القرار في هذه المؤسسة التي تتحكم في وعي جمهور السينما وخاصة الشباب والأطفال، وأي يهود، أعتى الصهاينة المتشددين، ولم يكن هناك أي حراك عربي لا بإنشاء بديل ينافس، ولا باعتراض على كل حركة وفعل كما تفعل دول عديدة مثل إيران وروسيا والصين وغيرها التي تجعل هوليوود تدفع أي ثمن لرسم صورة ذهنية مسيئة لها، بل إن العرب لم يدعموا حتى نجوم هوليوود الذين تمردوا على قواعدها ودعموا قضاياها وتركوهم يواجهون صهاينة العصر وحيدين. وحتى على مستوى المؤسسات، فلولا الجهود القطرية في إطلاق قناة الجزيرة ما كان للعرب صوت، ولا كان لنا تأثير على وجود قنوات دولية مثل البي بي سي والسي ان ان وغيرها من القنوات، لكن سلاحا واحدا لا يمكن أن يفوز في كل المعارك، لهذا كان الاعلام العربي متأخرا كثيراً عن واقع الاعلام العالمي بكل سوئه، والسبب بسيط، غياب حرية الرأي والتعبير في شاشاته، غياب النقاش والحوار في برامجه، يكفيك أن تشاهد أي نشرة إخبارية في وطننا العربي لتعرف الزمن الذي لا زلنا نعيش الظلام فيه. بل حتى على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، فرغم حجم الاستخدام الهائل لها عربياً، فإننا لم نقم بصناعة بديل كما فعلت الصين في وي شات أو تيك توك أو غيرها، ولا نحن الذين اعترضنا على الانحياز المطلق للكيان الصهيوني بغلق هذه المواقع أو مقاضاتها أو اجبارها على عدم ارتكاب هذه الأفعال. ويعود ذلك بالتأكيد لوجود صهاينة في موقع اتخاذ القرار في هذه المؤسسات أو بسبب وجود دعم صهيوني لها، فيكفي أن نعلم أن الصهاينة قاموا بدفع ما يقارب 8 ملايين دولار خلال الأيام الماضية ليوتيوب فقط للترويج لإعلانات وفيديوهات تدعم الرواية الصهيونية. علينا أن نعترف أن غياب إعلام حقيقي عربي سيضعفنا أكثر، وسيجعلنا يوماً ما نخسر كل حروبنا في كل المجالات بالضغط الإعلامي، ومصادرة الرأي، وغياب المنصات التي يمكن أن نوضح فيها رسالتنا، وبقدر ما يخاف العرب من حرية الرأي والتعبير ويحاربونها ويغيبونها عمداً في مؤسساتهم الإعلامية فإنها هي نفسها «للأسف» التي ستهزمهم بغيابها واحداً تلو الآخر يوماً ما.