16 سبتمبر 2025

تسجيل

البروباغندا والحروب السيبرانية الإسرائيلية في زمن Dos

24 أكتوبر 2023

استخدام رئيس وزراء المحتل إسرائيل ووزير دفاعه وصف الحيوانات البشرية على المدافعين عن مقدساتهم وأرضهم وأنفسهم منذ العدوان الإسرائيلي على غزة، واتسّاق استخدام الرئيس الأمريكي وصفهم بالشرّ المطلق وتكرار مصطلحات إرهابيين وداعشيين في ترسانة الحرب الأمريكية والغربية الإعلامية ليست من قبيل الصدفة بعد صياغة ذرائع لبروباغندا الحرب. لغة المعركة.. استراتيجية إعلامية مدروسة ومعروفة لكن الإسرائيلية تعدّها مطابخ مراكز دراسات أمريكيّة وغربية متخصّصة في استراتيجيات الاتصال والرأي العام بواسطة خبراء سخرّتهم لإعداد خطط وأدلة لغة الحرب الاتصالية والخطابية وآليات مناوراتها في مختلف ترسانتها الإعلامية، والحديث هنا ليس اعتباطيا أو عاطفيا. المتتبع للعدوان الإسرائيلي على حماس والفلسطينيين عموما سيجد أنّها تستخدم مسميّات دينية بدلالات تاريخية أو نفسيّة لليهود مثل عمليات «الرصاص المصبوب 2008 – 2009، «عمود السّحاب» 2012- 2013) وليست مسميات العمليات هي المدروسة فحسب بل كل كلمة وصورة. منذ 2009 عكف (فرانك لونتز) - وهو مستشار سياسي استراتيجي أمريكي في استطلاعات الرأي ومحلل ومعلق دائم في محطة فوكس نيوز- عكف على إعداد دليل للحرب أسماه «قاموس اللغة العالمية لمشروع إسرائيل» وسمّي «قواعد الحرب» وقد استخدمته الحكومة الإسرائيلية للدفاع عن سياستها العدوانية في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. ولماذا؟ لأنّ المشروع صهيوني بحت والصهيونية حركة لم تصنع في أحضان اليهود بل في الدول العظمى التي تتأطر بحقوق الانسان وهي أول من ينقضه، الحلف الذي زرع اليهود في فلسطين ليسميها دولة ولمآرب أخرى. ولكي ينجح العدوان فإنّ السلاح العسكري وحده لا يكفي إذ لابد من قواعد دعائية مكثفة قبله كالتي استخدمها غوبلز في الحرب العالمية الثانية. لونتز وضع فصولا في كتاب حوى 25 قانونا حول وسائل الاتصال الفعالة لإسرائيل.ولماذا سمّاها قانونا؟ لأنّ اللغة هي وسيلة الخطاب، والخطاب هو مفتاح العقول والقلوب وأداة الإعلام والنافذة على شعوب العالم، وقانونا لأنها أخذت صبغته فحدّد لونتز المصطلحات اللغوية وقواعد الاستخدام الواجب اتباعها في كل خطاب سياسي أو مقولة أو منشور أو خبر في الحرب الإعلامية لإسرائيل بحيث يعاقب من ينتهكها، مثلها مثل قوانين الحرب العسكرية الواجب اتبّاعها من قبل من هم في الخطوط الأمامية. ووضع قائمة مفتاحيّة بالكلمات والمفاهيم المؤثرة للصالح الإسرائيلي وفصّل كلّ على حدة. وهل اكتفى بقواعد اللغة المنطوقة أو المكتوبة؟ لا ! بل شمل الدليل آلية استخدام المفهوم، الرمز، الصورة أي اللغة العالمية التي قد تغني عن أي خطاب، بل وفصّل في شرح كيفية استخدام البوسترات والملصقات الفعّالة وطرقها. وركّز على الطرق والآليات الإعلامية للتعامل الإسرائيلي مع الفلسطينيين والدفاع عن سياستهم وتبريرها أمام العالم مثل ضرورة أن يكرّر الإسرائيليون في مختلف الخطابات السياسيّة والإعلامية أن الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين أيديولوجي وليس ماديّا! أي أنّ ليس محوره الأرض بل «الإرهاب» بما يعزز تركيز لغة ومفردات عدائية دقيقة تعتمد على قلب الحقائق ولعب دور الضحيّة لكسب قضيتهم عالميا وإقناع الشارع والجمهور الغربي بها. ومنها تتابع استخدامها في عملية عمود السحاب وغيرها من اعتداءات غاشمة على الشعب الفلسطيني الأعزل لقتله واحتلال أرضه بدمغه بالإرهاب وسلبه حق الدفاع. بل وضع سياسة لغوية لما بعد القتل الوحشي بضرورة تبرير إسرائيل هجومها وإسباغ الشرعية على اعتداءاتها، ووضع أنفسهم في موقف الضحيّة وحامي المدنيين. بل حدّد صيغا لتقديم إسرائيل خطاب تعاطف مع النساء والأطفال عقب كلّ هجوم باتّهام الفلسطينيين بقتلهم والتضحية بهم بوضعهم كدروع بشريّة. قواعد لونتز سميّت «كتاب الخدع» ولم تكن متداولة أو مطبوعة بداية بل أحيطت بسرية تامة لأنّها مثّلت استراتيجية إعلامية حربية متكاملة تؤسس على خدع لكي تبدو الاعتداءات مبرّرة عالميا والأهم لكي تبدو مقبولة لدى الشعوب الغربية تلك التي تدفع ضرائب لحكومات تموّل التسليح العسكري والمعونات الحربية لإسرائيل، لذلك فهي لا تخدم إسرائيل فحسب بل أربابها. ونظرا لأهمية الدليل، طُبع على كل صفحة من صفحاته الـ120 أنها “ليست للنشر أو التوزيع”. لكن حقيقته ظهرت بعد ذلك عندما كشفها كاتب بريطاني هو»باتريك كوكبيرن» PATRICK COCKBUR في مقالة له نشرتها صحيفة الاندبندنت البريطانية بعنوان «تقرير سرّي يُساعد إسرائيل في إخفاء الحقائق». The secret report that helps Israel hide facts ومن ثمّ تناولته بعض الصحف العالمية والعربية، ونشره لونتز فيما بعد في كتاب بعنوان: «المشروع الإسرائيلي 2009». ومع ذلك وللأسف القواعد ليست معلومة لدى الجماهير العربية ولا الغربية التي تسير مع القطيع، فضلا عن أنّ ذاكرة الإعلام العربي ذاكرة عصفور لم تعكف على فضح هذه الخطط للغرب بلغته باستراتيجية إعلامية تنويرية ولا أخرى مماثلة ولا حتّى تاريخية تؤرشف للمعنيين لغة الخداع الموّثّقة باستراتيجيات منشورة! بل بقي الاعلام العربي في موقف المدافع حتّى صرعته بعدها خدع العدوان السيبراني والزيف الرقمي العميق الأشد فتكا وأصعب تفنيدا خصوصا وإن ذات الاستراتيجية ما زالت مستخدمة ليس من قبل إسرائيل فحسب بل من قبل الراعي الرسمي لإسرائيل في المنطقة وكل العالم الغربي وإعلامه المضلل خصوصا وانه يحكم المنصات الرقمية وسردياتها وحساباتها وتصعيد الوسوم وفوقها كله صناعتها وحضنها وتجارتها وأرباحها. والمؤلم أن غابت خططنا الإعلامية الاستباقية ومراكز سياسات الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي وهو أولى أدوات الحروب في زمن سيبراني تطورت فيه الحيل واستراتيجيات الخداع المعدّة سلفا من قبل مراكز البحوث وخبراء الإعلام التقليدي والرقمي والرأي العام والخطاب الجماهيري الغربي تلك التي وان لم تنشر بعد إلا انه لا يصعب على خبراء دولنا التنبؤ بها بل واستباقها. ثمّ.. يزعم العرب أن لديهم قوة ناعمة!! والحقّ أن قوتنا الناعمة قد أصيبت بالمثلية في زمن حرب ضروس تنتظر الخشونة، وفي زمن الاحتكار والدجل الغربي الرقمي وصناعاتنا الذكيّة دفاعية فقط وإستراتيجياتها ما زالت في زمن Dos.