27 سبتمبر 2025
تسجيلنغفل عنه وهو أكثر الحاضرين تواجداً، حضوره بيننا أكبر من إحساسنا بالحياة. وحده الأمل يستر عنا هذه الحقيقة، يخفيها وهي اليقين الأوحد بين البشر لكي تستمر الحياة ويعمل الإنسان ويكد ويستبشر بالأفضل دائما كما طلب منه، وإلا فإنه يعيش بين ظهراننا، يملأ الفراغات التي بيننا، يرانا ولا نراه، نحسبه بعيداً وهو أقرب إلينا من أنفاسنا التي تخرج من صدورنا. ننساه لكنه لا ينسانا فنحن في ذاكرته وعلى جدوله، لا يتخلف عن موعد قد ضرب له، يرقب أمنياتنا ليقتنص الأكبر وربما الأسمن منها، يأتينا على حين غرة يصرع الأمل ويفتك بالأماني، لا يكترث لوهج الشمس في النهار ولا يقيم حساباً لعتمة الليل وظلامه حين تحين ساعته، لا يشفق على كبير ولا ينتظر صغيراً ولا ترف عينه لمريض، الجميع على جدوله سواء فهو في طبيعته أمر يجب تنفيذه لحكمة عليا، هو خلق من خلق الله كالحياة ذاتها، لا يبدو عدماً إطلاقاً إلا لمن لم يدرك كنه هذه الحياة الزائلة ذاتها، هو امتداد لها بشكل آخر كما كانت هذه الحياة الجسدية امتداداً لما قبلها من حياة داخل الأرحام، السكن في الجسد إلى أجل مسمى له حكمة إلهية ووظيفة معينة محددة ذلك فالموت يبدو وكانه لنا نحن الذين لم نمت بعد وليس لمن ذهب به حيث اصبح في معية المطلق الذي هو "مصدر" الروح. كما يتجلى في حرقة الفراق وفجائية الرحيل وقطع لذة الاتصال مع من نحب ولله في ذلك حكمة ومراد يستشفه من سمت روحه واعتلى فوق مرام الجسد واستيقن الموت والحياة كفكرتين قبل أن ينغمس فيهما أو يعايشهما عيانا. لا يخلو بيت من زيارته ولا تخلو دار أو وطن إلا وله فيها مرتع طال أم قصر! هذه هي طبيعته، فهو الوجه الآخر للحياة وحدها الوصفة الإلهية والوصفة الفلسفية هما القادرتان على التخفيف على الإنسان من شدة وطأته وثقل زيارته الإيمان بأنه ليس النهاية وإنما هو أولى الخطوات للقاء الله عز وجل أو الاعتقاد فلسفياً انه الإمكانية القصوى الذي يمكن الإنسان ان يحققها ليكتمل بها وجوده في هذه الحياة فهو حاجة وضرورة لاكتمال حياتنا في هذه الدنيا، فهو اذن شعور بنشوة الكمال، على الرغم من انه يبدو سلباً للروح والخروج بها من هذه الدنيا باسرها.