31 أكتوبر 2025

تسجيل

(وين على الله)

24 أكتوبر 2021

تحذير مهم: هذا المقال غير مناسب للزوجات "العصبيات" فأنصحهن بعدم قراءته والابتعاد عن الجريدة حالاً. أخيراً قرر بوراشد السفر منذ أكثر من عامين، وهي الفترة التي قضاها في ربوع الوطن بشكل اضطراري لخوفه من فيروس كورونا بسلالاته المتحورة والمتطورة والمتبدلة، طبعا عزيزي القارئ جميع أحداث هذه القصة مجرد فانتازيا خيالية تدور في قالب درامي غير حقيقي، ولنتابع أحداث القصة. في صالة المنزل يجلس بوراشد وبجواره زوجته الغالية في لحظة من لحظات الانسجام التام، فهو يتناول تمرات من "الإخلاص الجامبو" وأم عياله تناوله فنجال القهوة المهيلة والمزعفرة والمُسمرة (أي فيها الهيل والزعفران والمسمار) يترشفها مع كل حبة تمر يأكلها، في راحة بال وكأنه حيزت له الدنيا بأسرها، وخلال هذه اللحظات الجميلة تهور بوراشد وقال "يا أم راشد جهزي شنطتي بسافر الخميس الجاي"، لم يكمل بوراشد جملته حتى شعر أن حرارة الصالة ارتفعت بالرغم من وجود المكيفات ذات الحصانين والنصف التي كانت تدفع بكل قوة وعزم هواءها البارد، ولكنه شعر كأن تنيناً ينفث لهبا بقربه، وأحس بأن جو الرومانسية والانسجام الذي يعيشه في طريقه إلى التغير لجو دراماتيكي تسوده الأعاصير والاضطرابات المناخية منذرا بقدوم عاصفة هوجاء، فيبدو أن حرف النداء والستة كلمات التي خرجت من فيه أبي راشد تنذر بقدوم حالة نفسية بها الكثير من الاستياء والغضب والشجب والاستنكار، ولكن جميع هذه الأمور كانت تدور في رأس بوراشد فقط، والذي كأنه يقول لنفسه "ما يسوى علي، يا كلمة ردي"، ولكن كما يقال "بعد فوات الفوت ما ينفع الصوت". مرت ثوان قليلة على كلمات بوراشد ولم يتلق أي رد، ثم قالت أم راشد "وين على الله"، ثلاث كلمات بسيطة ولكن لها دلالات كبيرة، وأولى هذه الدلالات أنه تم فتح قسم التحريات والتحقيق في صالة المنزل وأصبح بوراشد متهماً مع سبق الإصرار والترصد، وعليه الآن أن يقدم لمأمور التحقيق أي أم راشد جميع الأعذار والإثباتات بأن هناك ضرورة حيوية وقصوى لسفره، لم يتردد بوراشد في الرد فهو الرجل المحنك والمفوه الذي يعرف كيف يتصرف في أصعب المواقف، فقال: "والله يا حبيبتي ما ودي أسافر لكن بروح مع واحد من الربع كمرافق يبغي يروح يسوي فحوصات في لندن، المسكين ما يقدر يمشي من ركبته وامدحوا له دكتور هناك". اعتقد بوراشد انه استطاع تقديم الحجة الدامغة وأن الأمر قد حسم وسوف تهرع زوجته لتجهيز شنطة سفره، ولكن للأسف لم يتوقع الهجمة المرتدة والاختراق من العمق الذي قامت به أم راشد، فقالت له: "منهو اللي بتسافر معاه، وبعدين ليه يروح لندن ليش ما يعالج في مستشفى حمد عندنا دكاتره زينين"، أحس بوراشد أن الأمر بدأ بالتعقد فزوجته تعرف جميع زوجات أصدقائه وهو يدرك أن لديها مصادرها الخاصة لتقصي الحقيقة، فقال في محاولة يائسة وأخيرة "هذا من البوفلان ما تعرفينه والمسكين طمطامة (صفة لمن لا يستطيع تصريف أموره) ما يعرف يسنع نفسه فقلت أخذ وجه الله فيه (أي أساعده لوجه الله) وكلها كم يوم وبعود"، فردت أم راشد بسرعة "متى بترجع" فقال بوراشد "كلها أسبوع زمان وإن شاء الله أنا عندكم". صمتت أم راشد فيبدو أن بوراشد كما يقال "لعبها صح"، ولكنها كانت مثل الذي "بالع موس وساكت"، فتركت دلة القهوة وذهبت تسحب أرجلها تثاقلا وهي تقول "الله يحفظك ولحد ينسانا من الصوغة (هدية السفر) وأبغيك تمر على كم محل بطرشهم لك تشتري لنا أغراض، وقبل ما ترد بيوم مر شبربوش جيب لأمي ملافع"، استطاع بوراشد أخيرا أن يحقق هدفه ولكنه حُمل بقائمة طويلة من المشتريات والهدايا التي ستثقل كاهل محفظته لفترة طويلة. وختاما أقول: عزيزتي حواء عندما يرغب رب الأسرة بخلوة مع نفسه برهة من الزمن فلا يعني هذا أبدا أن حبه لك ولأسرته محل شك أو أن له مآرب أخرى، فغالبا ما يكون هدفه مجرد الابتعاد لفترة وجيزة عن ضغوطات الحياة التي تحيط به والمسؤوليات الملقاة على عاتقه ليكسر روتينه اليومي الذي يدور في فلكه وليشحذ همته وليجدد نشاطه. أرجو أن يكون مقالي هذا برداً وسلاماً على زوجات العالم "والله يستر". @drAliAlnaimi