17 سبتمبر 2025

تسجيل

الفساد والمجتمع الأبوي

24 أكتوبر 2019

مجتمعات دول الخليج العربية قاطبة مجتمعات أبوية، لذلك فإن مواجهة ظواهرها السلبية مثل الفساد والارهاب والفقر وغير ذلك لا تواجه فقط بالإجراءات بعد حدوثها، ولكن بتنشيط النموذج وإعطاء المثال أو ضرب المثال، لأن طبيعتها الابوية تختلف تماما عن طبيعة المجتمعات الديمقراطية التي تمتلك الآليات المناسبة لمواجهة مثل هذه الظواهر السلبية. في المجتمع الأبوي تنشط المماثلة وتسود ولا يشعر المجتمع بخطر الظاهرة الاجتماعية السيئة طالما أن التماثل قائم، بل يحاول كل فرد فيه أن ينخرط وينضوي داخل دائرة التماثل بأي شكل من الاشكال، وهو ما استطيع تسميته اجتماعيا بعدوى الأب. في ظل غياب آليات ديمقراطية لمواجهة هذه الظواهر الاجتماعية الخطيرة يقف المجتمع أمام خيارين إما الانضمام أو تقبل ذلك وإما مقاومتها بأي شكل متاح، كما نرى اليوم بعد الاستخدام الكثيف لوسائل الاتصال الاجتماعي التي أتاحت فرصة تاريخية لزعزعة وتحريك هذا النمط الابوي من السلطة في دول الخليج العربية، أما في الكويت فإن هناك صداما واضحا بين إجراءات الديمقراطية الموجودة ونمط المجتمع الأبوي المسيطر والذي هو خارج منظومة الاحتواء الديمقراطي واكتمال النموذج الديمقراطي. الآن تاريخيا رأينا بل إن كل تاريخنا العربي والاسلامي وما نفخر به ونردده دائما نابع من النموذج الابوي المستنير عبر الشخصيات التاريخية، لم ننتقل الى النموذج المؤسسي كما في الغرب الذي لا يعتمد على الفرد وصلاحه ولكن على إجراءات مكافحة الفساد وكشفه والتمثيل به. حتى بنغلاديش الفقيرة تعاقب الفاسدين وتعدمهم بمن فيهم الرؤساء، لأنها نموذج نظام وليست نموذج فرد أو أب، الاشكالية في نموذج الاب هو أنك لا تستطيع أن تعاقب بشكل يعرض النموذج كله للخطر، فتكتفي بالتلميح أو بكبش فداء هنا أو هناك. هل ينتمي الفاسد الى الفساد بالوراثة؟ الجواب لا، لكنه يحتمل هشاشة قبوله كإنسان، تتضخم وتقوى هذه الهشاشة أو تضعف طبقا لثقافة المجتمع. هل الفساد له أخلاقيات تبرره، أو تجعل منه مقبولا هنا ومرفوضا هناك؟ هنا يفرض النموذج الابوي ذاته حيث يستقطب دوائر المجتمع الاخرى بما فيها التي تمثل الدين إذا أراد أن يمرر نموذجا بعيدا عن حالاته القيمية والاخلاقية. إذن نحن في دول الخليج لكي نكافح الفساد إذا كانت هناك نوايا جادة فعلينا الانتقال من النموذج الابوي الفردي الى النموذج المؤسس الذي يعتمد على تشريع واجراءات قانونية واضحة لمكافحته، أما إذا فضلنا النموذج الابوي أو المثالي العابر للزمن فلننتظر حاكما تاريخيا صالحا آخر ولتذهب اجيال الانتظار الذي قد لا يأتي ولن يأتي إلى الجحيم.   [email protected]