10 ديسمبر 2025

تسجيل

تصالح المصالح.. بين وواضح!

24 أكتوبر 2018

كل يوم بل كل لحظة تتكشف لنا تفاصيل أبشع وأكبر في حادثة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي المروعة؛ هذه التفاصيل التي تزيد من الغضب الشعبي والرسمي على نظام الحكم السعودي، الذي لا يزال يراوغ في كشف حقيقة تورط ولي عهده في هذه الجريمة الوحشية التي هزت العالم بأسره، ولاتزال عواقبها تتكشف عن أمور لا يمكن أن يتصورها عقل مدرك لمعنى الإنسانية والرحمة. بالأمس كانت كلمة الرئيس التركي الذي انتظرها الملايين في العالم والذي وعد بأن يكشف فيها كل الحقائق بتفاصيلها الدقيقة والمتعلقة بالجريمة الوحشية التي نفذتها أذناب الرياض الاستخباراتية بحق خاشقجي، وفي الواقع انها كانت كلمة شحيحة لم يوضح فيها كل ما سبقها من دعاية قوية في تعرية الحقائق بخطوات غير عادية؛ وأنا كنت منذ أيام متوقعة أن يخرج أردوغان بمثل هذه التصريحات المبهمة بعد الاتصال المباشر لترامب والذي أعقب تصريح أردوغان بأن يوم الثلاثاء سيكون يوما صعبا في كشف كل ما يتعلق بجريمة القتل هذه وأن توازن أردوغان في كلمته، التي يبدو أنها راعت مصالح تركيا الخارجية في عدم المساس بالعلاقات السعودية التركية وبين الوقوف مع الضمير الإنساني الذي يفرض على أنقرة أن تتجرد من مصالحها أمام هذه الجريمة، وتصرح بكل ما يتعلق بها ؛ خصوصا وأن حكومة أردوغان تتعرض لهجمة شرسة من المعارضة المحلية الداخلية ومن المؤسسات الإنسانية الدولية التي تطالب أردوغان بالكشف عن حيثيات هذه الفعلة غير الإنسانية على أرضه، ولذا ما طرحه أردوغان أعتبره شخصيا تواطؤا صريحا للجانب السعودي لا سيما وأن الأدلة التي لم يكشفها الرئيس التركي في هذه القضية تبدو واضحة جدا للعيان،ولم يكن على أردوغان أن يكون بهذه الدبلوماسية السطحية أمام ما تكشف للعالم من أدلة وتسريبات وأمور أخرى !. خطاب الرئيس التركي لم يرتق لأن يكون خطابا شاملا في هذه القضية التي تشغل العالم اليوم رغم أنه اختار أن يكون أول مسؤول رسمي تركي يتحدث بوضوح عن القضية، وكان يمكن أن يوعز لمدير استخباراته أو لوزير داخليته بقول ما قاله هو شخصيا بالأمس ؛ ولذا خرج خطابه هشاً فارغا من أي مدلول قوي على أن أنقرة تبحث عن العدالة أكثر مما تحرص فيه على علاقاتها مع الرياض وواشنطن. ولا يبدو لي أن ترامب الوحيد الحريص على علاقاته مع ولي العهد السعودي ؛ فاردوغان يبدو أشد حرصا إن لم يكن أشد رغبة فيها، وارجو أن تعذروني على أسلوب التهجم هذا على بلد أنا أحبه جداً وأحترم رئيسه جدا، لكني أمام ما تعرض له خاشقجي من استدراج وغدر والموت غيلة لا حول فيه ولا قوة، فانا لا أجامل ولا أجد نفسي تميل لما قاله أردوغان، رغم أن كل ما قاله يقوض الروايات السعودية؛ لاسيما الروايتان الأولى والثانية في أن وفاة خاشقجي كانت شجارا وبعدها كانت عملية تفاوض لإعادة المغدور إلى الرياض وأن عملية قتله لم يكن مخططا لها مسبقا، وأنا آسفة أن أكون بهذه الحدة التي لم يعهدها قلمي عند الكتابة على تركيا وعن زعيمها أردوغان، لكن يجب أن يعرف الرئيس ومن كتب للرئيس كلمته أنه خيب ظنوننا أمام ما قاله، ولا أستبعد أن تتعرض حكومته مجددا لسيل من الهجمات سواء كانت من المعارضة داخل الأراضي التركية أو من الخارج من المؤسسات الدولية. كان موقف ألمانيا وكندا وفرنسا والنرويج وبريطانيا وكل أعضاء مجلس الشيوخ والكونغرس الأمريكيين في نظري أشجع بأضعاف من الموقف التركي الرسمي ؛ الذي جاء بالأمس على لسان قمة الهرم فيه وهو رئيسه، وأعتقد أن الموقف التركي لن يتغير في المستقبل حتى وإن اكتملت كل أركان التحقيقات وبلغت الأدلة ذروتها، فالمصالح هنا تتصالح وهذا بيّن وواضح وهو أمر لا شك فيه بتاتاً، وعليه ليس علي وعليكم أن نعوّل كثيرا على الموقف التركي في هذه القضية التي كنت آمل أن تعتبرها أنقرة قضية شرف وسيادة لها قبل أن تحسب كم عليها أن تربح وأن تخسر فيها، كان عليها أن تحسب كيف كان لشعوب العالم أن تراها قبل أن تدرج اتفاقياتها الثنائية مع الرياض في روزنامة أولوياتها أمام هذا الحدث الذي ما كان ليأخذ هذه الأهمية العالمية لولا لم يكن فعلا نجسا ووحشيا ومروعا للأسف كانت تركيا وهي الأرض التي وقعت عليها الجريمة راسبة في أول اختبار حقيقي لها تصدى له رئيسها الذي نأمل أن يكون هناك إعادة له وينجح بامتياز كما عهدناه دائما !. فاصلة أخيرة: رحم الله نفسا زكية بشوشة اسمها ( جمال خاشقجي ). [email protected]