18 سبتمبر 2025
تسجيلقدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خطاباً أخلاقياً عالي المستوى حول ملابسات اغتيال جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول؛ والذي كان مدار اهتمام العالم كله على مدى الأسابيع الثلاثة الأخيرة منذ دخوله القنصلية في الثاني من أكتوبر الحالي. جاء خطاب أردوغان أخلاقياً في حين كان الكثير يتوقع أن يكون استخبارياً أو بياناً تفصيلياً جنائياً، وهنا تكمن عبقرية خطاب أردوغان، وهذه المساحة المتروكة للذات وللأخلاق وللدين حتى يترك حرية للتصرف بما يتسق والخروج بما يحفظ ماء الوجه، ومن القرارات ما يفي بالمتطلبات الإنسانية في جريمة اهتز من تأثيرها ضمير العالم. جاء خطاب أردوغان أخلاقياً لأنه كان بصدد العار الذي قد يلحق بالإنسان في كل مكان جراء ماحدث. جاء خطاب أردوغان أخلاقياً لأن ما تم على أرض بلاده يُعد عاراً في تاريخ العلاقات بين الدول. جاء خطاب أردوغان إنسانياً وأخلاقياً لأن الطرف الآخر المتهم فيه بلدٌ يتمنى كل عربي ومسلم أن لا يكون مكاناً للعار، بلد الحرمين الشريفين. جاء خطاب أردوغان أخلاقياً لأن المُناشد هو خادم الحرمين الشريفين. جاء خطاب أردوغان أخلاقياً حينما قدم نصيحة لحكومة المملكة العربية السعودية حول كفاءة ممثليها في الخارج. جاء خطاب أردوغان أخلاقياً حينما تجنب التحديد واكتفى بالشمول. جاء خطاب أردوغان أخلاقياً حينما ناشد خادم الحرمين الشريفين أن يحاكم الجناة في تركيا حيث الجريمة ارتكبت على أراضيها. جاء خطاب أردوغان أخلاقياً حينما أتسق مع دينه وذاته، وأشار إلى أن الأدلة الدامغة تقول إن الجريمة قد جرى الإعداد لها بشكل مسبق ودقيق. جاء خطاب أردوغان أخلاقياً حينما طلب من السعودية أن تعاقب مرتكبي هذه الجريمة الشنعاء من أسفل إلى أعلى دونما تحديد أو لمز حتى تنجو من العار؛ عار الإنسانية الذي كان واضحاً أنه على وشك أن يتلبسها بشكل يندى له تاريخها، ويحز في ضمير كل عربي ومسلم ذلك. حان للمملكة العربية السعودية أن تنجو من وصمة العار التي تكاد تلتصق بها منذ دخولها في مستنقع اليمن وحصارها الآثم للشعب القطري الشقيق وانجرارها بكل تاريخها وراء من لايريد بالإسلام ولا المسلمين الخير. أردوغان كان أخلاقياً إلى درجة كبيرة وترك المجال مفتوحاً أمام محاسبة الذات قبل محاسبة العالم. كان أردوغان مُعلماً أخلاقياً حينما طرح أسئلة مفتوحة وترك الأجوبة للدين والأخلاق والضمير والعدالة الدولية، لا يمكن أن تدعي تقدماً وإصلاحاً والحرية لديك لم تتحول بعد إلى فن للمشترك الإنساني، لا يمكن أن تجعل من نفسك مُجدداً وأن تحاصر الرأي الآخر وتتصيده بالإغتيال، لا يمكن أن تقنع العالم بأنك إصلاحي وأن تضيق بصحفي لا يمتلك سوى قلمه. لقد كان خطاب أردوغان خطاباً عن رمزية العار التي تمثلت في القنصلية السعودية التي ترفع راية لا إله إلا الله، هذا ماجعل خطاب الرئيس أردوغان متمهلاً ثقيلاً، لمثل هذا التناقض الفج الذي لايقبل به مسلم شريف على هذه الدنيا، أن تذبح نفسٌ بريئة تحت راية التوحيد. أدركتم كم كان أردوغان متألماً وصبوراً وأخلاقياً. رحم الله الشهيد جمال خاشقجي وأورثه الجنة يتبوأ فيها حيث يشاء وألهم خطيبته وذويه الصبر والسلوان. [email protected]