17 سبتمبر 2025

تسجيل

مصر.. نافذة جديدة لروسيا في المنطقة

24 أكتوبر 2013

المتتبع للسياسة الروسية بالنسبة للشرق الأوسط. يلحظ بلا أدنى شك: اندفاعاً قوياً لموسكو في المنطقة. وبخاصة بعد عوامل عديدة ساعدت على هذا الاندفاع. وأبرزها:النجاح الكبير للدبلوماسية الروسية فيما يتعلق بالأسلحة الكيماوية السورية.لقد كان من الواضح أن التهديد الأمريكي بتوجيه ضربة عسكرية إلى سوريا اصطدم بعقبات كثيرة منها ما هو داخلي ويتعلق: بالأزمة المالية التي تعيشها أمريكا حتى قبل إعلاق (ومن ثم فتح) بعض المؤسسات الأمريكية. بفعل عدم تصديق الجمهوريين في مجلس النواب على ميزانية عام 2014. التي تقدّمت بها إدارة أوباما.ومنها ما هو خارجي متعلق بحذر واشنطن من تبعات خوض معركة عسكرية جديدة بعد حربي العراق وأفغانستان. وتكاليفهما الباهظة على الخزينة الأمريكية.الحصيلة أن المبادرة الروسية - الأمريكية لعبت دورا في إنقاذ إدارة أوباما من تبعات هذه الضربة. فمن السهل بدء الحرب لكن من الصعب إنهاءها وهذا مالم يفهمه أوباما عندما أعلن تهديده.  هذا الوضع فتح آفاقاً جديدة للدبلوماسية الروسية للعودة إلى مصر. وبخاصة مع المتغيرات الجديدة فيها:الموقف الأميركي مستاء من خطوات الجيش المصري. فواشنطن لا ترى بأن هذه التغييرات ستخدم العملية الديمقراطية في مصر لا على الصعيد الآني ولا المستقبلي أيضاً. هذا أولاً.  ثانياً:لقد قامت الولايات المتحدة بتجميد بعض المساعدات العسكرية إلى الجيش المصري. الأمر الذي دعا بأحد الدبلوماسيين المصريين للقول:بأن القاهرة ستتجه إلى البديل. وقام بتسمية روسيا.في الاعتقاد بأن الأخيرة سترحب بالخطوة المصرية. ولن تُفشل هذا اللجوء المصري إليها،فموسكو ليس لها فيتو على إرسال أسلحة متطورة إلى المنطقة وبخاصة إلى سوريا،فهي كانت قد أبدت الاستعداد لإرسال صواريخ إس 300 إلى دمشق. ووفقاً لتصريحات العديدين من المسؤولين الروس فإن روسيا ماضية في صفقتها التسليحية مع سوريا.بالنسبة لمصر تدرك موسكو: التأثير الاستراتيجي المصري عربياً وإقليمياً وإفريقياً ودولياً. وهي ستسعى بكل ما أوتيت من قوة للتعامل إيجابياً مع مصر في أوضاعها الجديدة،ففي عهدي السادات ومبارك والفترة الرئاسية القليلة لمرسي. فإن موسكو غابت عن الساحة المصرية بشكل تام. وهي المهمة كثيراً لأية قوة دولية تسعى إلى إيجاد موطئ قدم لديها في المنطقة.  ثالثاً: الانفتاح الإيراني المباشر على الغرب بعد تسلم الرئيس روحاني لمنصبه في طهران. يقلل من الحاجة الإيرانية إلى الدبلوماسية الروسية للعمل كوسيلة اتصال بينها وبين الغرب.أيضاً على صعيد العلاقات الروسية-التركية فإن تركيا قبلت للناتو أن ينصب صواريخ باتريوت على أراضيها تحت دعاوي"حماية أمنها من سوريا". كذلك الموقف التركي من الصراع في سوريا،وتناقضه الاستراتيجي مع الموقف الروسي.فقدان موسكو لهذين العاملين شجعها على الإسراع في مد الخيوط الجاذبة مع القاهرة. التي رحبّت بدورها بهذا التقارب.روسيا أيضاً تدرك التراجع الأمريكي المتدرج في المنطقة وهي تحاول ملء هذا الفراغ.لقد كانت واشنطن قصيرة النظر في تجميد مساعداتها العسكرية إلى الجيش المصري. وذلك لأن هذه الخطوة التراجعية ستحمل في طياتها آثاراً إستراتيجية في صراع قوى النفوذ في المنطقة.روسيا في فترات الرئاسة البوتينية هي غيرها في المراحل الميدفيدفية.  رابعاً:موسكو تنطلق في حساباتها السياسية من إحساسها وإدراكها بنظام عالم الأحادية القطبية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. ومنظومة الدول الاشتراكية. والتي وصلت خلالها العنجهية والتفرد الأمريكي إلى أقصى مدياته. روسيا تدرك أهمية أن تكون قطباً عالمياً آخر في مواجهة الولايات المتحدة. لذا فإن أية ساحة جديدة لنفوذ لها. هي مسألة ذات أهمية فائقة بالنسبة إليها. إبّان فترتي رئاسة بوش الابن ومقولته الشهيرة "من ليس معنا فهو ضدنا" وشعاره "بالحرب ضد الإرهاب" فإن الاستفزاز الأمريكي لروسيا كان كبيراً.فقد أحاطت واشنطن الحدود الروسية بسوار من الصواريخ الإستراتيجية (في بولندا وجمهوريات البلطيق وغروزيا وغيرها) الأمر الذي اعتبرته موسكو استفزازاً لها. وعدواناً سافراً عليها. وفي الذهن أزمة الصواريخ في كوبا في منتصف الستينيات: عندما هدد الرئيس كينيدي بالحرب النووية إذا لم تقم روسيا بسحب صواريخها من الأراضي الكوبية.اضطر خروتشوف أيامها إلى سحب الصواريخ السوفيتية. مقابل تعهد من واشنطن بعدم غزو كوبا. المقصود القول:أن أميركا هددت بحرب نتيجة لوجود صواريخ سوفيتية على مقربة من حدودها. بينما تسمح لنفسها ولحلفائها الناتويين بنصب صواريخ على حدود روسيا،لو كانت الأخيرة قطباً عالمياً ثانياً لما تجرأت واشنطن والعواصم الغربية على نصب هذه الصواريخ.  بالطبع كثيرون يعتقدون:بأن روسيا وحدها غير قادرة على تشكيل قطب عالمي ثاني في مواجهة واشنطن. في هذا القول نمط من الصحة. لكن اهتمام الصين منصب بشكل أساس على تحقيق قفزات كبيرة اقتصادياً. وبالفعل هي أصبحت الآن عملاقاً اقتصادياً عالمياً.ربما في مرحلة قريبة(ولكن ليس على المدى المنظور)ستبدأ اهتماماتها في تشكيل هذا القطب. ولكنها الآن هي عامل مساعد مهم لتبوأ موسكو هذا الموقع. فقضايا سياسية دولية عديدة توحد موقفي روسيا والصين منها،والبلدان عضوان مهمان فيما يعرف"بدول البريكس".  كل هذه العوامل وغيرها تؤكد أهمية أية ساحات نفوذ بالنسبة للدبلوماسية الروسية،فمن المقرر أن يصل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى القاهرة أوائل شهر نوفمبر القادم. للمباحثات ولترتيب زيارة يقوم بها الرئيس بوتن إليها، الأمر الذي يشي بأن العلاقات الروسية-المصرية تشهد انفتاحاً ملحوظاً. وهذا الأمر الذي يلقي بظلاله على المتغيرات السياسية في المنطقة وعلى الصعيد الدولي.  العلاقات بالطبع مرهونة بطبيعتها أولاً. وبالعوامل المؤثرة فيها ثانياً. والمتغيرات السياسية في بنيتي كل من روسيا ومصر ثالثاً.  بالطبع مؤسف هذا التطور في العلاقات الروسية-الإسرائيلية. ولكن ما دام الفريق المتنفذ في منظمة التحرير الفلسطينية قد عقد اتفاقية أوسلو مع الكيان الصهيوني. وما دامت بعض الدول العربية قد عقدت ما يسمى باتفاقيات سلام مع إسرائيل. فهل نلوم روسيا؟يبقى القول إننا على أعتاب مرحلة جديدة من الاهتمام الروسي بالمنطقة من خلال النافذة المصرية.