12 سبتمبر 2025
تسجيللماذا لا تسهم التدفقات المالية والاستثمارات في زيادة المشروعات الفردية؟ وما مدى تأثير الوضع الراهن للديون الأوروبية وتوترات الشرق الأوسط على دخول الشركات الصغيرة في المشروعات؟ تلعب المخاوف دوراً مؤثراً في تراجع عجلة الصناعات، لتأثيرها على المبادرين من أصحاب الأعمال، والقلق الذي ينتاب الكثيرين من عودة انتكاسة الموارد المالية إلى ما كانت عليه في 2011. تطالعنا البيانات الاقتصادية بمؤشرات متنامية عن تدفقات رؤوس الأموال ونمو استثمارات عقارية وخدمية في المنطقة، يمكنها أن تتخطى حدود المخاوف إلا أنّ الوضع الراهن للاقتصادات العربية وعدم الاستقرار السياسي في الكثير من الدول لا يزال يشكل هاجساً. ولا تقف المخاوف عند حد عدم الاستقرار المالي أو دوامة الديون المتعثرة إنما تنسحب على الكثير من أوجه الحياة مثل التغير المناخي ونقص موارد المياه ونقص الغذاء وتذبذب أسعار النفط، التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالاقتصاد وستؤثر بكل تأكيد على مسارات النمو. أتحدث هنا عن القلق الذي ينتاب الأسواق ومدى تأثيره على نشوء شراكات صغيرة ومتوسطة تدعم الشراكات العملاقة، وتشكل فيما بينها بنية أو نواة متزنة من التكاتف الاقتصادي الذي بدوره يعين كل القطاعات من الركود أو الانهيار، وهو بمثابة حجر الأساس لتكتل اقتصادي ذي وزن. ولا تزال مخاوف المبادرين من أصحاب الأعمال تحجم عن السوق بسبب تداعيات الربيع العربي، ورغم التقارير الدولية التي تشير إلى ارتفاع المؤشرات في منطقتنا إلا أنّ وتيرة النمو تترنح بين الصعود والهبوط، وما أعنيه أنّ البيانات الإحصائية تعتبر في المفهوم الاقتصادي ركيزة في بناء المشروعات الصناعية والخدمية والسياحية مثلاً، وهي تشكل قيمة مضافة في السوق وأيّ مشروع يخلو من تلك البيانات لابد وأن يقع فريسة الإخفاق. يشير تقرير المؤسسة العربية للاستثمار إلى انخفاض في التدفقات المالية الواردة إلى الدول العربية بسبب انخفاض مستوى الثقة في استقرار أوضاع المنطقة وعودة القلق من انتكاسات مالية متوقعة. يعود اهتزاز الثقة في الأداء إلى عدم توصل دول اليورو إلى حلول جذرية بشأن ديونها رغم الإجراءات التقشفية التي تنتهجها المؤسسات الاقتصادية والصناعية والاجتماعية، وعدم وجود سيولة نقدية كافية للأسواق المالية، ووجود عقبات أمام المبادرات الجديدة وغياب جهود معالجتها، وصعوبة اجتذاب أصحاب الخبرات في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية، وضعف التمويل، وعدم توافر برامج تدريبية وتطويرية تتناسب مع تلك المشروعات، أضف إلى ذلك طول العامل الزمني في تنفيذ المشروعات الجديدة مما يعوق الإنتاجية ويعرقل خطط التنفيذ مما يجعله أمراً في غاية الصعوبة. في رأيي أنّ أهم هذه العوامل الباعثة على انحسار الثقة هي عدم قدرة الأجهزة الاقتصادية على وضع منهاج عملي واضح لتمكين المشاريع الصغيرة والمتوسطة من الارتباط باتفاقات وتعاقدات مع المشاريع الكبرى التي تخطها الدول لإعمار بنيتها التحتية، وعدم توافر الخبرات الكافية لتشغيل وإدارة المشاريع أو فشل سياسات الإنتاج مما يؤثر على معدل الكفاءة والقيمة، وهناك أيضاً غياب واضح لاستخدام التقنية في الشراكات، إذ يعتمد أغلبها على التقليدية بعيدا عن روح الابتكار التي تدخل المنافسة السوقية بقوة، والاعتماد أيضاً على التسويق العشوائي، وعدم الاستفادة من الدراسات الميدانية والإحصائية والبحثية في رسم خطى واضحة المعالم. يشير صندوق النقد الدولي إلى جملة من المخاوف المعرقلة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة على مستوى دولي وهي تخفيض حجم الإقراض المباشر لدول اليورو، وتخفيض حجم التمويلات للتجارة العالمية، وكثرة القروض السيادية للحكومات مما يفاقم من انهيار الثقة. ويذكر الصندوق أنّ المخاوف والإحجام عن المنافسة طالا الشركات الصغيرة وهي تشكل "45%" من الناتج القومي لدول أوروبا، و"35%" من ناتج الدول الأوروبية الناشئة، و"10%" من ناتج الولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا اللاتينية، و"5%" لدول الشرق الأوسط، وهي نسب تقديرية بسيطة تتطلب إنماءها في ظل حراك نحو التكتل. ومما يفاقم من حالة القلق عدم استخدام الشركات للبيانات الاقتصادية بشكل يخدم توجهاتها الصناعية أو العملية، وأنّ الاضطرابات لم تنعكس على الأوضاع الاقتصادية والمالية فحسب إنما على السياسة والحياة الاجتماعية والخدمية ووضعت الدول في مواجهات مع المطالبات بتحسين الأوضاع المعيشية ومشكلات البطالة والفقر واتساع هوة العجز المالي في الموازنات العربية. ويؤكد صندوق النقد الدولي أنّ التوجه العالمي نحو بناء شركات صغيرة ومتوسطة ودعم القطاع الخاص يشكل دفعة قوية للاقتصادات المنهارة، ولكونها ركيزة مبنية على معطيات ماثلة أمامنا مثل العولمة والرغبة الدولية في النهوض من عثرته المالية، وأنّ المشروعات الصغيرة في الكثير من الدول هي التي دفعت بعجلة نموها إلى التقدم، فمثلاً تمثل أكثر من "99%" من المشروعات الصغيرة اقتصاد اليابان، و"80%" سوق العمل في الخليج العربي، و"96%" من اقتصاد أستراليا، و"93%" من اقتصاد المملكة العربية السعودية، و"22%" من إجمالي الناتج في الهند من المشروعات الصغيرة والمتوسطة.