20 سبتمبر 2025

تسجيل

ثقافة "البشت" وبشت الثقافة

24 سبتمبر 2020

عندما كنت صغيراً، كنت أصحب والدي - رحمه الله- أحياناً إلى السوق، وأكثر ما كان يشد انتباهي هو رؤية الجميع يلبس "البشت" في كل مكان من السوق في الدكاكين في الممرات الضيقة، حتى في سوق المواشي كنت أرى أهل قطر مطرزين بالبشت أينما ذهبوا أو نزلوا، كان البشت الحد الأدنى من العلاقة في المجتمع، أحسست أنه يمثل النسيج الاجتماعي في حالة تماسكه وقوته. هذه الرمزية "للبشت" استمرت مع ذلك الجيل حتى بدأ ينقرض، وبالتالى طرأ تحول واضح في رمزية البشت بعد ذلك، فأصبح يمثل مناسبة خاصة، رأيت أحداً ممن تم اختياره في مرحلة من المراحل لمجلس الشورى في أحد دكاكين سوق واقف المشهورة بتطريز وخياطة البشوت، فسألته عن السبب، فأجابني اشترى بشتا بمناسبة تعييني عضواً في مجلس الشورى. تحول البشت من رمزية لثقافة المجتمع إلى رمزية أخرى ضيقة، كان البشت بداية تلقائية للمجتمع لها دلالة اجتماعية مشتركة، فأصبح بعد ذلك يمثل رمزية ضيقة لها علاقة بالمنصب أو بالتقرب من السلطة، إلى درجة أنك تجد اليوم من يتساءل حينما يجد أحداً يلبس بشتاً في غير أيام الأعياد عن سبب ذلك، فيضع افتراضات لم تكن في ذهن المجتمع سابقاً ؛ كأن يقال لعله استدعاء من جهة عليا، أو لعل تم تعيينه في منصب رفيع؟. البشت اليوم لم يعد رمزاً ثقافياً كما كان، بل أصبح زياً له دلالة لا علاقة لها بثقافة المجتمع البتة. كان رمزاً ثقافياً حينما كان المواطن من ذلك الجيل قبل أن يخرج من بيته يرتديه تلقائياً، أما ارتداؤه اليوم حينما يستدعيه المنصب أو يقع عليه الاصطفاء والاختيار؛ ليكن من أصحاب البشوت، فإنه مجرد زي رسمي يخفي أكثر مما يُظهر، ويستر أكثر مما يكشف عن ماهية الشخص وطبيعته. الأعياد والمناسبات الرسمية لا تعطي انطباعاً حقيقياً عن ثقافة البشت التي كانت سائدة، لأنها مجرد لحظات من التنكر تحتاجها المناسبة، إذا أردت أن تعرف ثقافة البشت حقيقة فشاهد المقاطع القديمة المصورة عن حركة السوق في الدوحة في الستينيات وما قبلها وقليلاً ما بعدها والتي تأتي أحياناً ضمن برامج التلفزيون، ستجد ما يكفيك عن البحث في التفاصيل. السوق هو محك العلاقة بين أفراد المجتمع وليس المناسبات الخاصة، ستجد البشت حاضراً في السوق سابقاً رمزية على مستوى التعامل والعلاقة الأفقية السليمة، وستجد البشت حاضراً اليوم في الثانية رمزية ضيقة على انحصار الثقافة في أفق الفرصة والمناسبة. في السابق كان البشت يمثل عراء ووضوح الثقافة، لا أخشى على البشت وقد اندثرت ثقافته، لكنني أخشى على المجتمع من بشت"الثقافة". [email protected]