14 سبتمبر 2025

تسجيل

هيكل 70 عاما من الجهاد الإعلامي يدخل عامه التسعين

24 سبتمبر 2013

الأستاذ محمد حسنين هيكل أمد الله في عمره متوجا بالصحة والسعادة يطرق باب التسعين عاما. إنه الأبرز في ميدان الصحافة العربية والإعلام. إنه لم يكن للعرب وحدهم، كان موجودا في كبرى دور النشر في أوروبا وأمريكا واليابان، كانت تنشر مقاله الأسبوعي ما يزيد على 3000 صحيفة منتشرة حول العالم. إنه مدرسة إعلامية كبيرة بكل معنى الكلمة " كانت اتصالاته مع أبرز عمالقة النصف الثاني من القرن العشرين واسعة ليس بحثا عن الشهرة وإنما محاورا ومدافعا عن امتنا العربية والإسلامية شارحا همومنا وتطلعاتنا العربية. علاقاته الصحفية بعمالقة النصف الثاني من القرن العشرين سواء كانوا زعماء دول (نهرو شؤين لاي، ماوتسي تونق ديغول، تيتو.. الخ) أو مؤرخين وأهمهم المؤرخ البريطاني الكبير (ستيفن رانسيمان) او كتاب وأبرزهم عندي والذي أشغل أهل الفكر والسياسة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية (إدورد سعيد) وراح يحاور قيادات عسكرية خاضت حروبا، انتصر بعضهم وانهزم البعض الآخر، منهم جنرال من الهند منتصرا وآخر من الباكستان مهزوما، وثالثا من بريطانيا الفيلد مارشال صاحب معركة العلمين في الحرب العالمية الثانية مونتغمري، ورابعا من فرنسا. والحق أنه ليس هناك ميدان من ميادين الجهاد بالكلمة لم يخضه حسنين هيكل. عرفنا الأستاذ محمد حسنين هيكل قبل أن نراه ونحاوره، عرفناه عبر إذاعة صوت العرب، وكنا على موعد معه كل يوم جمعة نستمع إلى مقالته الأسبوعية "بصراحة" منذ أواخر الخمسينات من القرن الماضي. كانت مقالته في الأهرام تشدنا ونحن متحولقون أمام المذياع "الراديو" صامتين وكأن على رؤؤسنا الطير، يتحول مجلسنا فيما بعد الاستماع إلى حوارات يطول ليلها حول ما قال وما كان يجب أن يقول. عرفنا من مقالاته الأسبوعية أسباب الوحدة بين مصر وسورية عام 1958 وأسباب الانفصال، كان خطابه "بصراحة" يهز عروش وأنظمة، له مقالة شهير في الأهرام بعنوان "إني أعترض" على أثر تلك المقالة سقطة حكومة الانفصال في دمشق. لا أبالغ إذا قلت أن قوة الكلمة في الأهرام التي يقولها هيكل عملت على زعزعة الوجود البريطاني في جنوب الجزيرة العربية والخليج العربي، وكذلك الوجود الفرنسي في شمال إفريقيا ورحل الاستعمار البريطاني من الخليج وجنوب الجزيرة العربية ورحل الاستعمار الفرنسي عن شمال إفريقيا إلى غير رجعة. قدم الأستاذ هيكل للمكتبة العربية العديد من الكتب تتضمن رؤية مشاهد عن وقائع تاريخ الوطن العربي ودور الحكام العرب في تلك الوقائع السلبي منها والإيجابي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 وإلى مطلع الألفية الثالثة أي بداية القرن الحادي والعشرين، والحق انه لا غنى لأي باحث في شؤون الشرق الأوسط عن كتب محمد حسنين هيكل. يقول عنه المورخ البريطاني الشهير " استيفن رانيمان " أن التاريخ عندك له آذان، وله عيون. إني أحسدك على تجربتك التي أعطتك الفرصة لتعيش التاريخ وتكتب عنه أيضاً". لا أريد أن أستعرض ما تعلمنا من كتب الأستاذ هيكل ومحاضراته ولقآته وحواراته خاصة ملفات السويس، وخريف الغضب، ومدافع آية الله الخميني، والقنوات السرية: قصة المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل، الطريق إلى رمضان، وغير ذلك من الكتب والمقالات والمحاضرات واللقاءات المتلفزة.  كنت في الولايات المتحدة الأمريكية في حقبة الثمانينات من القرن الماضي، كان بين أستاذي في مرحلة الدراسات العليا رتشارد دكميجيان وبيني حوارات لا تنتهي عن مصر ودورها وعن جمال عبد الناصر ومحمد حسنين هيكل وسورية، وتجدر الاشارة إلى إنني وجدت البرفوسور دكمجيان متحمس للناصرية ومعجبا بتجربتها الوطنية وللعلم فإن أول كتاب له في نهاية الخمسينات من القرن الماضي كان بعنوان "مصر تحت قيادة عبد الناصر (Egypt Under Nassir) يؤكد دكمجيان أن ما كتبه هيكل باللغة الإنجليزية بين يده وانه يقر بان هيكل ليس صحفيا وإنما هو مؤرخ سياسي للوطن العربي، ولما كان البرفسور دكمجيان متخصص بالحركات الإسلامية وتنظيماتها فانه يعتب على الأستاذ هيكل لموقفه السلبي الغير مبرر من التيار السياسي الإسلامي واعتقد انه أشار إلى ذلك الرأي في احد كتبة عن الحركات الإسلامية. (رتشار دكمجيان ارمني سوري غادر سورية في طفولته مع أسرته إلى أمريكا). الأستاذ هيكل يتمتع بذاكرة اغبطه عليها انه يسرد أحداثا في مداخلاته المتلفزة ويمعن في تحليلات سياسية معاصرة والحق أنني لم أكن أرتضيها لقامة صحافية عملاقة مثل الأستاذ هيكل، في تقديري ومن بعيد أنه لم يكن منصفا في علاجه وتوصيفه للحالة المصرية اليوم، بمعنى انه لم يكن واقعي في تحليله لما جرى في مصر في 30 من شهر يونيو الماضي والثالث من يوليو. كنت أتوقع منه كغيري من محبي الأستاذ الكبير هيكل أن يكون ضد التغيير والإطاحة بنظام محمد مرسي عن طريق القوة كما حدث طالما أن الرئيس السابق مرسي وصل إلى القيادة عبر أطر ديمقراطية مباشرة وكنا نتوقع من أستاذنا هيكل أن يقف مع الشرعية كما وقف مع شرعية أنور السادات عندما همت به جماعة "مراكز القوى" كما سماهم هو شخصيا وأسهم في الإطاحة بهم وتمكين أنور السادات. ولا يفوتني أن أعبر عن احتجاجنا العظيم على ما تعرض له بيته ومكتبته في الريف خارج القاهرة في الأيام الماضية أن ذلك ليس أسلوب الشرفاء إنه أسلوب اللصوص الحاقدين جحافل أهل الفتن والبغضاء. آخر القول: يبقى الأستاذ محمد حسنين هيكل محل تقديرنا واحترامنا متمنين له طول العمر متوجا بالصحة والسعادة.