18 سبتمبر 2025

تسجيل

في نعي العربي الأخير

24 أغسطس 2022

هو أخير لتفرده في عروبته، هو أخير لتوهمه بأن ذلك سبيله الوحيد حيث مصيره ومستقبله يبدأ منها ليعود اليها، فلا مجال لأنصاف الحلول، هو أخير لاعتقاده بأن حضن العروبة كفيل بحمايته الى الأبد ضد تقلبات الزمن وبني جلدته، هو أخير كذلك لأنه كان قادراً على معرفة أبناء مجتمعه وعلى تعدادهم فرداً فرداً، هو أخير لأنه اتكأ على التاريخ واسلم له أمره، فالتاريخ لا يعرف الغدر ولا المكر لديه فآمن به كحافظ دائم ومستمر لمكتسباته، هو أخير لأنه ظن أن التعليم العروبي الموحد هو النبع الصافي لبناء الوطنية وصيانة الأمة، هو أخير لأنه افترض أنه لن يأتي اليوم الذي سيبحث فيه عن هويته في وطنه فلا يجدها، هو أخير لأنه لم يفكر ولو لبرهة أن موقعه سوف يتسع لغيره ولو كان على حساب عروبته، هو أخير لأنه وثق بأن المال لا يمكن له أن يسبق القيم الإنسانية، هو أخير لأنه أعتقد أن جغرافية الوطن لا يمكن لها أن تتمدد الى الدرجة التي يصبح معها لا يرى بالعين المجردة، هو أخير لأنه ظن أنه عملة صعبة لا تتدهور قيمتها بمرور الزمن ما لم يتدخل البنك المركزي النخبوى لإنقاذها وهو لم يفعل بالطبع، هو أخير لأنه أراد للحلم الجمعي أن يستمر ولم يدرك أن الأحلام كذلك أصابها التخصيص والزمن أصبح فردي الطابع والإيقاع، هو أخير لأنه كان يرى ويطمئن بأنه لا ثمة حاجة للخوف من المستقبل فإيمانه بعروبته وبتاريخه وبأنظمته كفيل بأن يواري سوءته ونقصه، هو أخير في تصوراته وأحلامه نحو وطنه وأمته ولم يدرك أن التاريخ حقب وكل حقبة تحمل في طياتها شروط بقائها الخاصة بها دون غيرها، هو أخير لأنه كان يرى التاريخ خطاً مستقيماً يمكن البناء عليه فاطمأن إليه وبنتائجه مستقبلاً، هو أخير لأنه راهن على عدم زوال أو اختفاء الطبقة الوسطى التي حملت وتحمل رؤاه وتطلعاته ولم يدرك أن أمراض الرأسمالية المتوحشة تصيب الأطراف والوكلاء بدائها حتى رغم عدم توفر شروط وجودها، هو أخير لأنه آمن بأن الأرض لا تزال تتكلم عربي ولم يدرك أن اختبار التوفل تفوق على فصاحة وحكمة أبي الطيب المتنبي وعبقرية المعري وأن تراث بغداد والقاهرة وغيرهما تعادله مكتبة صغيرة في إحدى جامعات الغرب، هو أخير لأنه آمن وصدق شعارات المصير المشترك ولم يعِ أن البقاء للأقوى في عالم اليوم وأنه من سبق لبق، هو أخير لأنه اعتقد أن مكانته لدى انظمته وحكوماته لها الأسبقية وخيول تحرسها وجنود. هو اخير لأنه آمن بأنظمته وبشعاراتها ولم يع أن النظام قد يتخلى عن دوره ليصبح وكيلا يصرف البضائع كيفما يملى عليه، هو اخير لأنه آمن بأن العروبة والاسلام جناحان لطائر واحد فإذا بالشعوبية والعصبية والقبلية تحولهما لشيع وفرق وطوائف لا تكاد تحفظ اسماءها من تعددها وكثرتها.