11 سبتمبر 2025
تسجيلاهتز العالم على وقع صورة الطفل الحلبي "عمران" التي ظهر فيها داخل سيارة الإسعاف، وهو في حالة ذهول من دون صراخ أو دموع رغم إصابته بجروح، وذلك بعد أن انتشل من بين أنقاض بيته الذي قصف، وحظيت هذه الصورة بمتابعة كبيرة جدا من قبل وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، شرقا وغربا لتعيد تسليط الضوء على الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين في سوريا، خصوصا الأطفال والنساء، جراء قصف طيران النظام السوري، وحليفه الدب الروسي. والسؤال الذي يطرح نفسه: لمَ يغيب الإعلام خصوصا وسائله التقليدية عن ملاحقة ومتابعة الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين، وبخاصة الأطفال، علما أن "عمران" الحلبي وقبله الطفل " إيلان" ليسا الشاهدين الوحيدين على الجرائم التي ارتكبت - ولا تزال ترتكب - بحق أطفال سوريا بل هناك عشرات آلاف الأطفال قبلهما وبعدهما شهود على وحشية الظلمة والقتلة والغزاة. وأين يكمن الخلل في هذا المعادلة؟! هل في عدم اهتمامنا الكبير في رصد ومتابعة هذه الجرائم ـ وما أكثرها؟ أم في عدم قيامنا بتوثيقها بشكل مهني مؤثر يمكن أن يشد الأنظار؟ أم في عدم القدرة على تسويق الصور المؤثّرة بصورة احترافية، وإتقان تنظيم حملات لمناهضة انتهاك الجرائم بحق المدنيين؟ أم في تجاهل كثير من وسائل الإعلام العربية والدولية لهذه الصور بسبب أولويات أجندة اهتماماتها الإعلامية والسياسية أو المواقف المنحازة لهذا الطرف أو ذاك؟ أو نتيجة تواطئها المريب، وتقديم كل ذلك على الواجب الأخلاقي والإنساني والمهني، وبالتالي عندما يحدث اهتمام طارئ بين فترات متباعدة فقد يكون لأنّ الصورة يصعب تجاهلها من قبل هذه الجهات؟ الجواب على ما سبق هو أن جملة الأسباب التي جرى سردها آنفا توقف هذا الغياب بنسب مختلفة، ولكن تركيزنا ينبغي أن يكون على ما هو تحت أيدينا حتى لا يكون هذا الغياب طويلا، أو الحضور نادرا جدا. وثمة سؤال أخير يطرح نفسه: ما جدوى هذه الصور طالما أنها - على ندرتها - لا تصنع فرقا، فلا هي توقف العنف المتواصل لجرائم الجاني، بل إنها قد لا تشير إلى اسم الفاعل أو تتجاهله عمدا أحيانا، ولا هي تخفف من معاناة الضحايا المغلوبين على أمرهم. قد يكون من نافلة القول على المستويين العربي والدولي أن يتجاهلك الإعلام المعادي لقيم الحرية، والقيم الإنسانية، وكذلك الإعلام المنحاز لبعض الأطراف والدول، بل قد لا يكتفي بذلك بل يعمل على الغمز بمصداقية هذه الصور والتشكيك فيها، وقد لا يكون مستغربا ألا تعطيك بعض الوسائل الإعلامية الاهتمام المرجو بسبب أجنداتها واهتماماتها المختلفة، وقد لا تؤدي إلى تغيير الواقع المأسوي للأطفال والمدنيين الذين تتواصل معاناتهم وتتفاقم منذ خمس سنوات ولكن رغم ذلك فلابد من مواصلة الاهتمام بالصور ذات الطابع الإنساني وتقديمها للعالم بصورة احترافية، لأنها تسعى لتغيير حياة الناس، والدفاع عن حقوقهم المشروعة ومن فوائدها الرئيسة: ـ توثيق جرائم الجناة ومحاسبتهم إن لم يكن عاجلا فليكن آجلا، كما حدث في تجارب الشعوب الأخرى سابقا. ـ كسب تعاطف مزيد من الرأي العام الدولي ضد جرائم النظام السوري والميليشيات الطائفية المتحالفة معه، وتسليط الضوء على جرائم الغزاة الروس وفضحها. ومن ذلك ما نشرته صحيفة "التايمز" البريطانية في تقرير لها مؤخرا والذي ورد فيه: أن روسيا تفوقت على تنظيم الدولة في قتل المدنيين بسوريا في حوالي ثلث الوقت (موسكو مسؤولة عن 514 حالة وفاة من النساء، و716 طفلا، فيما قتل تنظيم الدولة 323 امرأة و368 طفلا). ـ التخفيف من معاناة المدنيين وإن بنسب بسيطة خصوصا عندما يبدو العالم محرجا إزاء فظائع الروس والميليشيات الطائفية فيضطر للضغط عليها وإقامة الهدن وإدخال المساعدات أو تقليص قصفها أو يدعم المعارضين لها. ـ استثمارها للإسهام في توفير الدعم للمساعدات الإنسانية وإقامة المشاريع والخدمات التي تندرج في مجالي الإغاثة والتنمية. ـ إبقاء القضية السورية حاضرة في أذهان المجتمع الدولي والضغط عليه من زاوية الجانب الإنساني لتوفير حلول سياسية لها. وهناك فوائد أخرى لا يتسع المقام لذكرها.