10 سبتمبر 2025

تسجيل

سوء الإدارة والفساد.. وجهان لعملة واحدة

24 يوليو 2024

من المعلوم أن الممارسات الفاسدة تؤدي إلى هدر المال العام والاستيلاء عليه بطرق غير مشروعة، وأن تلك الممارسات تكون في السر والخفاء، إلا أن سوء الإدارة والجهل باللوائح والقوانين المنظمة لإدارة المال العام أو مخالفتها قد تؤدي إلى هدر المال العام في وضح النهار، لذا فإن الأثر الذي يلحقه سوء الإدارة بالمال العام لا يقل ضرراً عن أثر الفساد مع الاختلاف في التوصيف والدوافع، بل إن بعض مظاهر سوء الإدارة قد تكون منطوية على فساد وليست أخطاء أو جهلا. قد يكون ذلك الأثر مادياً أي قابلاً للقياس عند اكتشافه عن طريق المراجعة والتدقيق الذي تقوم به الأجهزة الرقابية، ومثال على ذلك ما يصدره ديوان المحاسبة من تقارير تتضمن الملاحظات والتجاوزات وأثرها المالي، وإما أن يكون غير قابل للقياس لصعوبة الوصول إليه والكشف عنه مثل الرشوة والابتزاز والمتاجرة بالمعلومات. وقد يكون أثرا معنويا، وهو ذلك الأثر الذي تتركه ممارسات مثل المحاباة والمحسوبية على بيئة العمل، وهذه الممارسات إما أن تكون مكشوفة كأن تعطى الأولوية في التوظيف أو الأفضلية في المناقصات للأقارب، أو تكون مخفية غير واضحة كأن تتم عبر صفقات خارج نطاق العمل الرسمي تضمن وصول المنفعة للموظف العمومي، وهذا الأثر غير قابل للقياس أيضًا. لذا يشكل سوء الإدارة وترهل بيئة العمل، خطرا محدقا بالمال العام يتمثل في سوء استغلال الموارد، وانحسار العدالة وتكافؤ الفرص، وعدم تحقيق الأهداف الداعمة للتنمية، والتأخير في المشروعات والبرامج وارتفاع تكاليفها وتقويض جدواها، كل ذلك يؤدي بالضرورة إلى بيئة صالحة لازدهار الفساد بكافة مظاهره. إن الحفاظ على المال العام يستوجب تكثيف جهود الإصلاح في كافة القطاعات، وتبدأ تلك الإصلاحات بمراجعة التشريعات ذات العلاقة للتأكد من شموليتها ونجاعتها، مروراً بتبني منظومة من الإجراءات وأفضل الممارسات الكفيلة بخلق بيئة رافضة للممارسات الفاسدة في القطاع العام والخاص، وتنتهي بالإصلاح الإداري الكفيل بنشر الثقافة المؤسسية الداعمة للحفاظ على المال العام والعصية على تغلغل الفساد وانتشاره.