10 ديسمبر 2025
تسجيلفي وقت سابق من العام الحالي، سادت درجة عالية من الثقة على نطاق واسع في أن جولة ارتفاع أسعار الفائدة في الاقتصادات الأكبر بالغرب كانت تقترب من ذروتها. وثبت أن هذا التفاؤل لا أساس له من الصحة، فقد حافظ التضخم المرتفع على «ثباته» في بعض الاقتصادات، لا سيَّما في ألمانيا والمملكة المتحدة. ويتوقع العديد من المراقبين حدوث ارتفاعات أخرى، حيث توقعت وكالة بلومبرج إيكونوميكس أن يلتزم كل من الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي بقرار زيادتين إضافيتين على أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس بحلول نهاية العام، مع رفع الأسعار الرسمية إلى 5.5٪ و 4.0٪ على التوالي، قبل خفضها في عام 2024، على الرغم من انخفاض معدل التضخم السنوي الرئيسي في الولايات المتحدة بمعدل أكثر من المتوقع ليصل إلى 3٪ بعد فترة وجيزة من هذا التوقع الصادر في شهر يوليو الجاري. وبينما يمكن ملاحظة الاتجاه التصاعدي لأسعار الفائدة في بعض الدول، إلا أن هذا الإتجاه لا يُشكل نمطًا عالميًا. فقد أوقفت بعض الاقتصادات، بما في ذلك الهند وجنوب أفريقيا، إجراءات رفع أسعار الفائدة مؤقتًا، بينما أعلن البنك المركزي الصيني عن خفض أسعار الفائدة بشكلٍ طفيف خلال شهر يونيو. ورغم أن البنك المركزي الأوروبي لا يزال متشددًا في توقعاته، إلا أنه يحاول التكيف مع التضخم الذي ارتفع في ألمانيا، لكنه انخفض في إسبانيا. ومن المتوقع أن يُعلن البنك المركزي البريطاني عن مزيد من الارتفاعات في أسعار الفائدة، ولكن حتى في هذه الحالة هناك بعض المعارضة حول ما إذا كانت هذه الإجراءات ضرورية أو حكيمة. فقد أكد آندي هالدين، كبير الاقتصاديين السابق في بنك إنجلترا، الذي كتب مقالاً في صحيفة الفاينانشيال تايمز بتاريخ 30 يونيو، أن البنك المركزي البريطاني قد أفرط في اتخاذ إجراءات تصحيحية بعد تقليله من خطورة معدل التضخم المتوقع قبل 18 شهرًا. وقد عكس التضخم المرتفع القيود المفروضة على العرض، وبناءً عليه: «وفقًا لهذا التشخيص، يتمثل الدور الأساسي للسياسة النقدية في تحمل الأضرار الناجمة عن هذا التضخم المؤقت، وليس تعويضها.» وفي الولايات المتحدة، هناك إشارات قادمة من الاحتياطي الفيدرالي على أنه منقسم بين الصقور الذين يؤيدون رفع أسعار الفائدة والحمائم الذين يعارضون ذلك، وهو ما أوقف تنفيذ الاقتراحات برفع أسعار الفائدة خلال شهر يونيو، ولكن ذلك يشير إلى إمكانية رفعها خلال مرحلة لاحقة. ولا يزال معدل التضخم الذي بلغ 3٪، ومعدل التضخم الأساسي الذي وصل إلى 4.8٪، أعلى من الهدف المحدد البالغ 2٪. وفي الوقت نفسه، كما ورد في مقال نُشر مؤخرًا في مجلة الإيكونوميست، لا تزال السياسة المالية في معظم البلدان فضفاضة على الرغم من ارتفاع ديون القطاع العام، وهو ما يوفر حافزًا مستمرًا. ويساهم ارتفاع عوائد السندات الحكومية في رفع تكلفة الديون. وبالنسبة لدولة قطر، التي تتميز باقتصادها الغني وبعملتها المربوطة بالدولار، هناك قيود، ولكن هناك أيضًا مجال أكبر لمواجهة هذه التحديات. وتُشكل أسعار الفائدة التي تفوق المستوى الأمثل للاقتصاد المحلي تحديًا، وقد انخفض معدل التضخم إلى 2.6٪ في شهر مايو 2023 بدولة قطر، وهو معدل أقل من الأرقام المسجلة في الولايات المتحدة الأمريكية. ومع تباطؤ النشاط الاقتصادي في أعقاب استضافة دولة قطر لبطولة كأس العالم لكرة القدم، وارتفاع مستويات الديون وزيادة أسعار الفائدة، هناك خطر يتمثل في إمكانية تحول ذلك الوضع إلى ركود اقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من عدم وجود بيانات واضحة، فإننا نعتقد أن قطاع العقارات يتسم بدرجة عالية من الاستدانة. وبالنظر إلى مثلث الخيارات المالية والاقتصادية التي تشمل أسعار الفائدة، والضوابط الرأسمالية، والمحفزات المالية، يجب أن يتركز الاهتمام على ثالث هذه الخيارات. ويجب أن تتبع أسعار الفائدة مجلس الاحتياطي الفيدرالي من أجل الحفاظ على ربط العملة؛ ولا توجد نية لفرض ضوابط رأسمالية بالنظر إلى الالتزام بسياسة السوق الحرة والأولوية التي تمنحها الحكومة لتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، ولكن بسبب الفوائض المالية الكبيرة؛ هناك فرصة متاحة للحكومة لدعم الاقتصاد وتخفيف العبء. ويمكن تخفيف متطلبات الاحتياطي النقدي على البنوك لتشجيع الإقراض. ويمكن لبنك قطر للتنمية، والمؤسسات التنموية الأخرى، تقديم قروض ميسرة لرواد الأعمال للمساعدة في تنمية الأعمال التجارية، ولشركات الأعمال الأخرى التي تتعرض لصعوبات بفعل المستويات المرتفعة من الديون، عن طريق هذه المؤسسات أو خلال نافذة اقتراض ميسرة للبنوك من المركزي مماثلة لما حدث خلال جانحة الكرونا. ويعني وجود فائض في الميزانية أن هذه القروض يمكن أن تكون ميسورة التكلفة ومنخفضة عن أسعار السوق. ويجب منح الأولوية للفرص المتاحة في اقتصاد المعرفة، فقد سيطرت مشاريع البناء على خطط المشاريع التي نُفذَّت خلال العقد الماضي، بسبب الاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم. ومن المجالات الأخرى التي يمكن أن تشجع النمو تخفيض الرسوم التي تفرضها الإدارات الحكومية، وتقليل البيروقراطية في التعامل مع الشركات الصغيرة. ومن المشجع أن نرى أن الحكومة قد بدأت بالفعل في اتخاذ تحركات في هذه المجالات. وكانت قطر موضوعًا لعمود صحفي نشر في جريدة الفاينانشيال تايمز بتاريخ 6 يوليو. وسجل هذا العمود الإنجاز الذي حققته البلاد في العديد من المجالات ومن بينها: تنظيم بطولة كأس العالم فيفا – قطر 2022 لكرة القدم بنجاح منقطع النظير، والتوسع في إنتاج الغاز الطبيعي المسال، وتمتع البلاد بعلاقات جيدة مع قوى عالمية متنوعة، بما في ذلك الصين وإيران والولايات المتحدة الأمريكية. وأشار المقال إلى كل من التقدم الذي حققته دولة قطر والتحديات الراهنة المتمثلة في تنويع مصادر الاقتصاد بعد الطفرة الإنشائية الأخيرة. وسلط المقال الضوء على أولويات الحكومة، وذكر أن قطاعات الطاقة والرعاية الصحية والخدمات اللوجستية والتعليم تتمتع بإمكانيات نمو قوية. ومن المرجح أن يكون النمو في هذه المشاريع مستدامًا بشكل أكبر من النمو الذي يمكن أن يتحقق بفعل مشاريع البناء محددة المدة، ويمكن دعم هذا النمو عبر تطبيق السياسات النقدية والمالية المناسبة، في سياق معدل الفائدة المرتفع. ويجب أن يكون لهذا المزيج من السياسات تركيز استراتيجي، عبر استخدام أدوات السياسة المالية بشكلٍ فاعلٍ لدعم النمو المستدام على المدى الطويل، وتشجيع تطوير اقتصاد معرفي يتبنى وسائل التكنولوجيا الفائقة.