15 سبتمبر 2025
تسجيلتابعنا في مقال الاحد الماضي البشرى التي زفها بوفيصل لبوراشد عن احتمالية توليه منصب الوزير في الوزارة الجديدة التي يُزعم انشاؤها، وقلنا ان بوراشد اصبح يتأرجح بين الفرح والقلق والخوف والرجاء، ونكمل معك عزيزي القارئ بقية قصة بوراشد وكرسي الوزارة، ولكن قبل البدء احب ان اكرر التنويه بأن هذه القصة خيالية ولا تمت للواقع بصلة. مرت أيام قليلة وبوراشد كما يقال في اللهجة الشعبية "علمه في بطنه ولا يقدر يبوح به" ينتظر تأكيد الخبر او نفيه، وبالفعل وبعد انتظار ليس بطويل يتلقى مكالمة هاتفية من احدهم ويخبره بأنه بعد يومين سوف يتم الاجتماع به وإطلاعه على مهام منصبه الجديد، وفي اليوم المحدد ذهب بوراشد للاجتماع وشُرح له ان الوزارة الجديدة ستحمل مسمى "وزارة التحندي"، تعجب بوراشد من الاسم "فالتحندي" في اللهجة الشعبية تعني الشكوى والتذمر، فسئل ما هي طبيعة عمل هذه الوزارة، فقيل له بأنه تم ملاحظة كثرة "التحندي" على بعض الإجراءات او الخدمات المقدمة في الجهات الخدمية من قبل الجمهور والهدف من انشاء هذه الوزارة بأن تكون مركزا رئيسيا لتلقي جميع الشكاوى والمقترحات من المواطنين والعمل على التنسيق مع الجهات الرسمية لحلها، ومن جهة أخرى تعمل الوزارة على عمل دراسات وابحاث لمعرفة أسباب "كثرة التحندي" من قبل الجمهور لأداء جهة او دائرة ما، والعمل على تقديم الحلول الناجعة لتطوير هذه الجهة. وبعد الشرح والايضاح قال بوراشد "انا عصاكم اللي ماتعصاكم وان شاء الله أكون قد المسؤولية"، وبالفعل تم تسليم بوراشد "بشت جديد" وأدى القسم وبدأ في اعداد التنظيمات الادارية والتجهيزات التشغيلية لتنطلق الوزارة الجديدة في أداء مهامها وواجباتها. وبعد بدء وزارة التحندي بعملها، انهالت الشكاوى والبلاغات والتعليقات على الوزارة، وبما ان طبيعة عمل هذه الوزارة هو تلقي "تحندي" المواطنين ضد الجهات الأخرى فقد أصبحت الوزارة في وجه المدفع ولذلك عمل بوراشد وجميع العاملين بالوزارة بجد واجتهاد لحل مشاكل الناس ومحاولة تقليل مستويات التحندي المرتفع. ولكن كما يقال تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فليس جميع الأمور كان بالإمكان حلها او التنسيق مع الجهات الأخرى لحلها، فاصطدم بوراشد بعدة عوائق كان اولها التعقيدات في الإجراءات الروتينية الطويلة، وكذلك عدم مرونة او لنقل "نحاسة" بعض المسؤولين (النحاسة تأتي هنا العناد والتعصب للرأي) للتعاون في الوصول الى حلول، ومن العوائق الذي واجهها بوراشد عدم تعاون باقي الجهات بشكل فعال والاستجابة المحدودة للحلول التي كان تقدم من قبل وزارة التحندي. وبعد فترة ليست بطويلة من الزمن، بدأت الشكاوى توجه الى وزارة التحندي بأنها لا تقوم بعملها كم يجب او انها تتأخر في حل مشاكل "المتحندين"، او انها تحابي في حل المشاكل، فبدأت فوهة مدفع "التحندي" تتوجه الى الوزارة الناشئة حتى أصبحت هي المتهم الأول في عرقلة حل مشاكل المواطنين. وبالرغم من كل ذلك حاول بوراشد جاهدا بأن "يمسك العصا من النص" او ان يطبق سياسية شعرة معاوية مع الجمهور والمسؤولين، ولكن دون فائدة حيث زادت حدة الشكاوى "والتحندي" ضد الوزارة مما خلق مناخا متوترا بين وزارة التحندي والجمهور المستهدف، وفي الأخير رضخ بوراشد الى الامر الواقع بعد ان حاول جهده لإرضاء الجميع ولكن رضا الناس غاية لا تدرك، فهرع مسرعا خارجا من مكتبه في الوزارة وقد وضع "البشت الجديد" على غاربه (وهو ما بين الظهر والعنُق) وتوجه الى مكتب رئيسه المباشر، وقال لمدير مكتب الرئيس "من فضلك سلم لي على الرئيس وقول له بوراشد يعتذر عن مواصلة حمل هذي الأمانة لأسباب كتبتها في هذا الكتاب، وهذا بشتكم وجزاكم الله خير". تم قبول اعتذار بوراشد وتم تسليم "البشت" والوزارة الى شخصية أخرى، والذي توفاه الله بعد شهر من مزاولة مهام منصبه نتيجة ارتفاع حاد في الضغط أدى الى سكتة دماغية، ولا زال المنصب شاغرا. وختاما أقول: يقول الشاعر العباسي ابن دريد الأزدي وَما أَحَدٌ مِن أَلسُنِ الناسِ سالِما وَلَو أَنَّهُ ذاكَ النَبِيُّ المُطَهَّرُ فَإِن كانَ مِقداماً يَقولونَ أَهوَج وَإِن كانَ مِفضالاً يَقولونَ مُبذِرُ وَإِن كانَ سِكّيتاً يَقولونَ أَبكَم وَإِن كانَ مِنطيقاً يَقولونَ مِهذَرُ وَإِن كانَ صَوّاماً وَبِاللَيلِ قائِماً يَقولونَ زَرّافٌ يُرائي وَيَمكُرُ فَلا تَحتَفِل بِالناسِ في الذَمِّ وَالثَنا وَلا تَخشَ غَيرَ اللَهِ فَاللَهُ أَكبَرُ