17 سبتمبر 2025
تسجيلعندما ترى الناس تتهافت إلى أقصر المساجد خطبة يوم الجمعة، وتهرول إلى أسرع الخطباء قصراً وختاماً لها، وعندما تلحظ انزياح الناس عن أطول المساجد خطبة، وأكثر الخطباء تطويلاً، وعندما تعي أن موضوع الخطبة ليس ذا بال لدى المصلين بقدر ماهو للوقت الذي تستغرقه. عندما يتهمها البعض بأنها أقرب إلى الفيلم العربي القديم الذي جرت مشاهدته مرات كثيرة ومتعددة إلى درجة الحفظ. تدرك أن ثمة شيئا غير طبيعي قد تسلل بين وعي المسلمين في هذا الوقت بالذات بدينهم ومشاعره الرئيسية حولها من طاقة فاعلة إلى مجرد أداء أقرب إلى التمارين منها إلى المعنى الحقيقي والمهمة الأصلية التي من أجلها فُرضت، ماالذي حصل ؟.. لماذا أصبحت عبئاً؟.. لماذا أصبح المسجد الأسرع والخطيب الأقصر هما ما يفضلهما الناس؟ في اعتقادي هذا يرجع لعجز المجتمع عن القيام بمسؤوليته، فألقى مثل هذه المهمة على أعتاق خطباء المنبر، فأراد منهم أن يقوموا بعبء هذه المهمة نيابة عنه، فالنقد لابد أن يأتي من المنبر وليس من وجود فاعلية المجتمع المدني مثلاً، والمطالبة بالتغيير الإيجابي ليس من وسائط المجتمع وفاعليته الثقافية وإنما من خطيب المنبر، حتى النظافة العامة التي هي مسؤولية فردية ننتظر أن يدعو إليها خطيب الجمعة. وحيث إن الواقع لا تغيره الخُطب بقدر ما تبعث فيه من الشحنات السلبية الكثير، استيقظ المجتمع على هذه الحقيقة فيما بعد، وبدلاً من البحث والتقصي في أسباب عجزه عن القيام بدوره كمجتمع وارتهانه راضياً أو مجبراً للواقع، عزف يبحث عن أقصر الخطب وأسرع المساجد صلاةً. لذلك حتى الدين والمحافظة على العبادات تحتاج إلى مجتمع فاعل حتى تحقق الهدف منها، العبادة مرهونة بالعمل، لو فصلنا بين العبادة وبين العمل لأوجدنا إسلاماً خاملاً، وتكراراً لا يعود على المجتمع بالخير. خطبة صلاة الجمعة شعيرة عظيمة ولكن نحن من أخرجها من سياقها، أولاً حينما استخدمناها أيديولوجياً في تحريك الشارع؛ كما كان في السبعينيات في بلدان مثل مصر وغيرها، ومرة أخرى حينما استخدمناها لدعم السلطة التي تكبح المجتمع من التطور لبناء ذاته وخياراته كما هو الوضع في أغلب البلدان العربية حالياً. أحد الظرفاء يصف خطبة الجمعة بالأفلام العربية القديمة التي كنا نشاهدها في الماضي ونعيد مشاهدتها بين وقت وآخر في حينه حينما كانت السينما بطرازها القديم هي المجال الوحيد لذلك الجيل لإفراغ رغباته وإطلاق العنان لمخيلته. المنبر مسؤولية كبرى عندما يكون المجتمع من الفاعلية ليجعل منه كذلك، وخطيب الجمعة مثقف مجتمع قبل أن يكون شيخ دين، وإمام المسجد عضواً في مجتمع فعال قبل أن يكون وضعاً منفصلاً منزوياً إلا حين تُقام الصلاة. [email protected]