26 أكتوبر 2025
تسجيلمما تذكره المصادر أنه كـان بين الشاعر راشد الخــلاوي والأمـير مـنيع بن عـريعـر مـن بني خــالد صـداقـة حـمـيمة ؛ في يوم مـن الأيـام كانا يتمـشيّان فنادى مــنيـع راشــد بـصـفـة قبيحة تتعلـّق بنسـبه فلم يحـتملها راشد وقال : ليتني مت قبل أن أسمعها منك ؛ ثم تحدّى راشد مـنيع بالـقيام بتجربة لـيثبت لـه أنّـه أعـلـى قدراً مـن مـنيع ولو كانت بالحيلة ؛ فقال له : أنت تعـرف أن الأمـير مـحـمـد الربيعي – أحـد أمراء بني خـالد أيضاً - لديه فهدة تصيد له الظباء وهـي عـزيزة عـليه اذهب فاطـلـبها مـنه فـإن أعطـاك إياهـا فليس بكثير عـليك فأنت حــقّك عـلـيهـم كـثير ؛ أمّـا إذا رفـض طـلبك فسـوف أذهــــــب أنا وأطـلبهـا مــنـه وسـتـرى . وكـان الخـلاوي يعـلم بمـدى تعـلـق الأمـير الربيعـي بفهـدته وأنّه لا يفرّط فيها لأيٍّ كان، ولكـنه كـان يضـمـر حـيلـةً تمكـّنه من الحـصول عليها خـاصّةً وأن الأمـير الربيعـي لـم يقـابل الـخــلاوي مـن قـبل. ذهـب الـشـيخ مـنيع الى الربيعـي فـأولم له وكان من عادة صاحـب الحـاجـة أن يذكـرهـا قبل الـعـشـاء فـقـال مـنيع: جـئـت من أجـل حـاجـةٍ إن أعطيتني إيّـاهـا والا رجـعـت دون عـشاء وحـاجـتي هـي هـذه.. وأشار الى الفهدة ؛ فقال الربيعـي : لا أحـد يعـطـي ما يشترك به عـمـوم الـعـرب ؛ إن لـي فيها سهما وانظـر الـى بيوت الـقوم تجـد وراءهـا قـرون الظـبـاء فمـا تصـطــاده يقســم عـلـى الجــمـيع ؛ فـاقـتـنع مـنيع واشـترط ألا يـعـطـيهـا لغـيره ؛ فتناول عـشاءه ورجـع الى الـخـلاوي وقال لـه أذهـب واطـلبها وهـو متأكّد أن الـخـلاوي لـن يظــفـر بهـا فـذهـب الخـلاوي وكانت دابّته حـماراً سريع الجـري ؛ فلمّا وصـل سـأل الرعـاة عـن الربيعي فـقيل لـه انّـه ذهـب للـصـيد فانتعـشـت آمـالـه بنجـاح الخطة الـتي رسمهـا عـندما عـلم بغـيابه ؛ فـقصـد بيت الربيعـي فـلـم يـرحّــب به أحـد نظـراً لهـيئـته ولمـلابسه الرثة ؛ فجـلس عند حماره أمام البيت ؛ وفي وقـت الغـروب وضـعـت زوجـة الربيعي طعاما في ماعون وأمرت الخادمة بأن تقدمه لـه ؛ وصـادف رجــوع راعـي إبـل الربيعـي وكـان جــائعـاً فـاخــتـطـف الماعون وأكل ما فيه والخــلاوي يرى ويسـمع ويبتـسـم بداخـلـه .. فها هـي الحـجّـة الـتي سـوف تـحــقـق مـطـلــبـه، فـركـب حـمـاره وقـصـد الربيعي في الصـيد وسلّم عليه كأنّه لا يعرف بأنّه الربيعـي مـتعـمّـدا ذلـك ؛ فـقـال الـربيعـي : مـن أين أنت قـادم فـقال مـن فـريقٍ فـرّق الـلـه شـمـلـهـم .. فقـال: لـمــاذا ؟.. فـقـال الـخـــلاوي : لأنهـم لم يكـرمـوا الـضــيف وقـلـت بـهـم شـعـراً ؛ قـصـده أن ينبّه الربيعي الى أنه الـخــلاوي الشـاعـر الـمـعـروف الـذي إذا قـال شـعـراً بـقـى الـى الأبـد .. فأنشد يقول الخلاوي والخلاوي راشـد *** تخطّر من بيـت البيـوت وضـاف تخطّرت الى بيت الربيعي وافد *** ومن جاه ممن كان منّـه يخـاف فقـال الـربيعـي للـخــلاوي : هــل تعـرف الـربيعــي ؟ قـــال : لا .. فــــقــال الربيعي: هـل سـمع هـذا الشعر أحـد؟ فقـال الخـلاوي: كل أطفال الفريق حـفّظـتهـم هـذا الشعر (لأن الخـلاوي لو قـال غـير ذلـك لـقتلـه الربيعي حتى يـمــوت مـعـه شعره ولا ينتشـر بين الـنـاس) فـقـال الـربيعـي : لـنرجـع الـى الـديار ونرى صــحّــة هـــذا الكــلام وبالفـعـل عـاد الى الحـي وسأل الربيعـي زوجـته عـمّا حـدث فأخبرته بصحّـة ما فعـلـه الـراعـي والخادمة فعـلم بصـدق كـلام الـخــــــــلاوي فالـتفـت إلــيـه قـائـلاً : لـك ما تطـلب مـني فإن شئـت أن أقتل الراعي والخادمة أو وهـبتهما لك ؛ قال الخــلاوي : لا الأمـر أهـون مـن ذلـك وأريـد اخــبـارك أن الـبـيـتـيـن الـلـذيـن سـمـعـتـهـمـا مـنّي لم يسـمـعـهـمـا أحـد غـيرك ؛ أمّا الآن فاسـمع ما أقول .. فـأسـمـعـه قـصـيدة مــدح أشـار الـى أنه وهــبه الفهـدة بين طــيّـات أبياتهـا كــي يـحـــرجـــه . فـعـرف الربيعـي أن الخـلاوي يريد الفهدة وكـان يردد فـي نفـسـه بيت الخـلاوي (ابو كـلـمـةٍ وان قالها ما تغيّرت) وخـشى أن يكون لها صـدى عـند العـرب إذا لم يعـطـه الفهدة ؛ لـهـذا أعطاه اياها خـوفاً من العار ؛ فرجـع بهـا الخـلاوي الى صـديقه مـنيع قائـلاً : هــذه الـتي لـم تـدركـها أنت وقـــد أدركـتهـا أنا ؛ ثم رجــع بها الخــلاوي الى صـاحــبهـا الربيعـي لــيردّها لــــه بعـد أن أتم حــاجـته مـنها فاسـتغرب الربيعـي قـائـلاً لمـاذا رجـعـت بهـا ؟ قـال: الخــلاوي: انقضـت حـاجـتي وأنا أكثر صـيداً منها ولا أحـب أن أعـطيها لغـيرك؛ فـقـال الربيعـي: ما أخـس مـن ادّعـائـك عـلي الا عـودتك من ديارٍ بعـيدة بعـبدة كـلـب !! .. والغريب في الأمر أن الفهدة لها معرفة بالبشر وهـي تجـزع إذا شبهـت بالـكـلـب ؛ ولـهـذا عـندمـا سـمـعـت قـول الـربيعـي (عـبدة كـلـب) ماتت في الحـال؛ والمعروف أنها إذا أخـطـأت يأتون بكلب فيضـربونه أمـامـهـا ومـن هـنا جـاء المـثل ( اضـرب الكـلب يسـتأدب الفهـد. ( العبرة من هذه القصة أن ( جارة الشر) تم ضربها من خلال المحاكم الدولية فهل يستأدب ( جارنا شبيه الفهد) أم أنه يأبى إلا أن يصير مصيره كمصير (حليفه) ؟!!