14 سبتمبر 2025
تسجيلفي كل عمل مسرحي يتطلب الأمر وجود نص جيد، ومخرج موهوب يختار الممثلين ويتفاهم مع الطاقم الفني حول الديكور، الملابس، الإكسسوارات، الإضاءة، السينوغرافيا، وغيرها من مستلزمات العمل المسرحي. ويكون المخرج سيدَ العمل، وعلى رأسه تقع مسؤولية نجاح أو فشل العمل. بالطبع هنالك مهام أخرى مرافقة للعمل المسرحي مثل: الدعاية، الإنتاج، الإدارة وتوقيع العقود، التراخيص... إلخ.ولقد حفظ لنا التاريخ مسرحياتٍ لا تزال عالقة في أذهاننا بدءًا من مسرحيات (الريحاني)، ويوسف وهبي، وفؤاد المهندس، وعادل إمام، في المسرح المصري، ومن المسرح السوري مسرحيات دريد لحام ونهاد قلعي، خصوصًا الوطنية منها، مرورًا بالمسرح الكويتي الذي قدّم نماذج اجتماعية وسياسية صريحة وجريئة على يد صقر الرشود، عبدالعزيز السريع، فؤاد الشطي، عبد الأمير التركي، حيث أبدع الفنان عبدالحسين عبد الرضا في تشخيص الواقع العربي عبر عدة مسرحيات، تماما كما أبدع الفنان القطري عبدالرحمن المناعي منذ (أم الزين)، وما بعدها في تصوير الواقع الاجتماعي بشكل مؤثر، ثم جاء الفنان حمد الرميحي لينحو نحو المسرح السياسي والجاد والرمزي، وظهر الفنان غانم السليطي مُجسِّدًا الحالة الاجتماعية بشكل واضح، وأظهر سلبيات المجتمعات العربية عبر عدة أعال بغية تحرر شعوب تلك الدول من أسر العبودية، خصوصًا ما تعلق بمسرحية (أمجاد يا عرب) و(هالو غلف) التي تناولت العلاقات بين دول مجلس التعاون.لكن المسرحية الأخيرة في المنطقة لم تأخذ في الحسبان دورَ المخرج الأساسي، ولا ظروف إخراج المسرحية! وظلت تستعين بعدةِ مخرجين، ما أضاع النص الأصلي، وشوّه الأفكار التي أوردها المؤلف الأصلي!المسرحية تناولت عزلَ قطر عن محيطها الخليجي، وإظهارها للعالم "شيطانًا" يأكل الأطفال، ويوزع شحنات القنابل ورؤوس الصواريخ العابرة للقارات في حرب ضد كل شعوب العالم! هذا هو الهدف الأساسي الذي وضعه المؤلف الأصلي، لكن المخرج لم يستطع إيصال هذا الهدف للنظّارة، لأنه تاهَ بين "أوامر" أربع جهاتٍ تريد الاستئثار بالقرار.الأمر الثاني الذي أظهر ضعفَ المسرحية هو عدم اختيار الممثلين بعناية، الأمر الذي أفقدها هوية النص! ولعل مشهد الوزراء الأربعة الذين خرجوا بعد اجتماع القاهرة أبرز دليل على أن المخرج "مُغيّب" عن أداء الممثلين، حيث ضاعت رزانة الوزراء وحصافتهم، ولكأنهم التقوا للتو أمام الكاميرات! بل وكأنهم لم يناقشوا أي موضوع داخل القاعة المغلقة.الأمر الثالث أن المسرحية لم تركز على موضوع واحد، وهذا ما أفقدها (الوحدة الموضوعية) التي نعتدُّ بها في الكتابات الأكاديمية والفنية. ومثال ذلك الانتقال غير الفني من لائحة المطالب الثلاثة عشر إلى الشروط الستة! حيث تدخَّل أحد الممثلين الأمريكيين ووصفَ تلك المطالب بأنها قد "انتهت"! ولم يستطع المخرج وقف هذا الممثل عن أداء عبارته. وتلك لفتة أخرجت المسرحية عن سياقها العام، وأضّرت بخطة المخرج الذي غاب عن المشهد بعد اجتماع القاهرة.الأمر الرابع أن مشهد دعوة دولة قطر إلى تقديم دول الحصار إثباتاتِها فيما ذهبت إليه من أن دولة قطر "تدعم وتموّل الإرهاب"، لم يكن مقنعًا، حيث لم يقم أي ممثل من الدول الأربع المقاطعة بالاستجابة لهذا الطلب، كما أن الطرف المتهم بالإرهاب (قطر) هو أول من وقّع مع المسؤول الأمريكي اتفاقية مكافحة الإرهاب! وهذا ما أفقد المسرحية فضيلة "التبرير" المعروفة في الأعمال الفنية والأدبية.الأمر الخامس الذي أضعف المسرحية مسألة الاعتداء على التاريخ والثوابت فيما يتعلق بجنوح المؤلف وقفزه على تاريخ الخليج وعلاقات الشعوب الخليجية بعضها ببعض، وهو ما أخرجَ المسرحية عن سياقاتها الفكرية والواقعية إلى "الفانتازيا" التي لا تعترف بالثوابت أو المقاربات، وهذا نادرًا ما يحدث في علاقات الشعوب على أرض الواقع. لذا، فإن استخدام "الفانتازيا" في عمل واقعي مُعاش يُربك المتلقي، ويضع أمام المخرج عدة أسئلة تصعُب الإجابة عليها، ومن ذلك: كيف سيقنعنا المخرج بوحدة العائلة الخليجية التي نادي بها النص، وهنالك مشاهدُ تشتيت تلك الوحدة؟ وكيف سيُقنع المخرج النظّارة بالمشاهد المأساوية التي تعرَّض لها شعب الخليج وليس شعب قطر، جراء الحصار، والآثار الاجتماعية والنفسية والاقتصادية للمسرحية على شعوب المنطقة؟ خصوصًا وأنه في عالم السياسية قد تحدث مفاجآت، ولكن في العلاقات الإنسانية يظل هذا الرقم (خارج الحِسبة)!المسرحية التي بدأ عرضُها يوم الخامس من يونيو الماضي، كان مؤلفها قد وضعها على نار هادئة منذ العام 1995، وظل يرصد الأحداث طوال عشرين عامًا، إلا أن المخرج كان متحمسًا لإطلاق المسرحية من عقالها، واختار منتصف الليل موعدًا لـ(البيان الأول) للإعلان عن بدء عرض المسرحية. فإذا بكل الممثلين والفنيين والإداريين قد تأهبوا لقطف ثمرة الانتصار لحبكة مسرحية لم يُوفق المخرج في إخراجها! لأن الضحك على الشعوب قد يكون مقبولًا في فترة محدودة، عند ثوران الدم، وبروز الحمية والوطنية والشوفينية، ولكن بعد أن تهدأ النفوس، وتسمع الشعوبُ الآراءَ الأخرى للقضية، تتبدل الصورة وتختلف القناعات، وتراجعُ الأفكارُ ذاتَها. وهذا ما لم يأخذه المخرج في الحسبان. أتمنى أن يكون القراء الكرام قد استمتعوا بفصول المسرحية الثلاثة، وقد يروونها لأحفادهم في قابل السنين.