03 نوفمبر 2025
تسجيلهناك أعمال عظيمة تموت لأول عهدها بالحياة، أو تموت وهي في عالم الغيب وقبل أن تولد بعد أن خطط لها أو أبحرت في عالم الأفكار والتخطيط إلا أنها لم تجد العون المادي الذي يخرجها إلى عالم النور أو أنها لم تجد الذي يأخذ بيدها وينميها. وما أكثر الطاقات التي ماتت في مقرها، كما يموت الزرع قبل أن يخرج شطأه أو قبل أن يستوي على سوقه فيموت جفافاً لانقطاع الماء عنه، وكان المفروض على أصحاب رؤوس الأموال الذين أنعم الله عليهم من فضله أن يسارعوا إلى استحيائها بما أتاهم الله من فضله ولكنهم بخلوا بما لهم في وجوه الخير وأسرفوا في إنفاقه في وجوه الشر فعليهم وزر ما ضيعوا من مصالح الأمة ثم عليهم وزر ما جلبوه عليها من معاطب. لقد تحول المال الذي في أيدي هؤلاء الأشحاء إلى لعنة شاملة بدل أن يكون بركة ونماء ورحمة وصلة ينتفعون بها وينفعون الآخرين. ترى هل يستفيد اللئيم من هذا الشح والله يقول عن البخلاء الذين هم أقل درجة في اللؤم من الأشحاء (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وقد جاء في الحديث الشريف أن الله عز وجل قال لجنة عدن: "أنت حرام على كل بخيل" وقال عليه الصلاة والسلام: "إياكم والشح فإنه دعا من كان قبلكم فسفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ودعاهم فقطعوا أرحامهم" فهل يستفيد من هذا الشح المطاع والهوى المتبع من كان كذلك. لقد اختنق هؤلاء الأشحاء في ثرواتهم كما يختنق الغريق في البحر اللجي، وسلط عليهم من يأخذها منهم. وصدق الله العظيم (ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركمْ ثمَّ لا يكونوا أمثالكم). إن الإنسان لتأخذه الحسرة إذ يجد أغنياء المسلمين أبطأ الناس في أداء واجب وقضاء مهم قال الأستاذ الصحفي النمساوي محمد أسد (ليوبولدفايس): "حتى أني - وأنا غير مسلم- أصبحت أتكلم إلى المسلمين أنفسهم مشفقاً على الإسلام من إهمال المسلمين وتراخيهم". إن الخلف لا يعتبر بما صار إليه السلف (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً). إن غالبية أغنياء المسلمين في هذا العصر مثل لا يقتدي به في البذل والعطاء في سبيل الله ولا يوجد أي شبه بينهم وبين الذي قال الله فيهم (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة). بينما تعتمد مئات الجامعات والمستشفيات ومعاهد التنصير والجمعيات الإنسانية على منح وصدقات أهل اليسار من اليهود والنصارى، نجد أغنياء المسلمين في أكثر أقطار العالم صيادي لذائذ ورواد آثام - إن معظمهم ينتسب للإسلام حاملاً معه شهادة زور تثبت ذلك، وباطنه لعب فيه الشيطان وأفسدته الذنوب والآثام فلا أثر فيه لدين محمد عليه الصلاة والسلام. إن البذل ليس مفروضاً على هؤلاء الشريحة من الناس الأشحاء وحدهم، لكن البذل واجب على كل أهل التوحيد (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنَّ لهم الجنة). إن الحياة الإسلامية في أيامنا الحاضرة بعيدة جداً عن الإمكانات المثلى التي تقدمها نصوص الشريعة الغراء فكل ما كان في الإسلام تقدماً وحيوية أصبح بين المسلمين اليوم تراخياً وركوداً وكل ما كان في الإسلام كرماً وإيثاراً أصبح اليوم بين المسلمين ضيقاً وأنانية وحباً للحياة وركوناً إلى الدعة لقد أخذ المسلمون يتركون اتباع روح التعاليم التي نزل بها القرآن وعلمنا إياها محمد عليه الصلاة والسلام وسار على هديها سلف الأمة. ولو بقي باعث الإسلام قوياً كما كان في الأجيال الأولى لترعرت مئات المؤسسات بنفقات وهبات الطبقات الوسطى والدنيا. هل يدري الأخ القاري كم ينفق على ما يكتب للمحطات الفضائية عن طريق الرسائل الجوالة - أو الهاتف المحمول - وهل يدري كم هي عدد المحطات الفضائية التي تفسد علينا كل شيء بدءاً من الدين وأصوله وانتهاء بأحلامنا الليلية فمن يمولها؟ وهل يدري الأخ القارئ كم ننفق على التدخين ومشتقاته وآثاره وتبعاته؟. إن هواية الإحسان عند آبائنا كانت ألصق بنفوسهم من هواية التدخين عند الألوف المؤلفة في هذا الزمان النكد فلو وجهت هذه الأموال الطائلة إلى الخير لجرت بين الناس سمناً وعسلاً ولأحالت الأرض المجدبة في ديارنا إلى مروج خضراء ولأحالت كثيراً من القلوب المفجوعة إلى الأنس والرضا، ولكنها أموال تحترق في الهواء إراحة لأعصاب مكدودة من ضعف العزم. يا ترى هل الذين ينثرون أموالهم تحت أقدم المومسات أو على موائد الليل في الحرام يؤمنون بيوم الحساب ألم يسمعوا من قارئ عابر في تلفاز أو مذياع أو شريط (وقفوهم إنهم مسؤولون) عن أي شيء السؤال؛ إنه لن تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه. نعم يوم يعض الظالم على يديه فيقول رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنهم إلينا لا يرجعون هيهات إذا غادرت هذه الدار فلن تعود إليها. (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ). وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين