16 سبتمبر 2025

تسجيل

أمير قطر في بغداد

24 يونيو 2023

مرّت العلاقات العراقيّة القطريّة بمراحل معقّدة ومتشنّجة ورخوة، ويُمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل، توّجت خلالها المرحلة الأخيرة بزيارة أمير دولة قطر سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى بغداد منتصف يونيو 2023. وسنحاول تسليط الضوء، وبعجالة، على المراحل الثلاث للعلاقات العراقيّة القطريّة. المرحلة الأولى كانت قبل الغزو العراقيّ للكويت في أغسطس من العام 1990وهذه المرحلة الأفضل والأهدأ بين الطرفين. وكانت المرحلة الثانية والمعقّدة والتي استمرّت لأكثر من 25 عاما من القطيعة، منذ عام 1990 – 2015. وتخلّلها العديد من المحاولات القطريّة الجادّة لتجنب الغزو الأمريكيّ للعراق. وقد ذكر رئيس الوزراء القطريّ الأسبق الشيخ حمد بن جاسم في مارس 2023 في مقابلة مع قناة «بي بي سي عربي»، بأنّه، وحينما كان يشغل منصب وزير خارجيّة قطر، تقدّمت بلاده» بمبادرة حينها، إلا أنّ الرئيس الأمريكيّ آنذاك جورج بوش أصرّ على قرار الحرب، وأنا ذهبت لصدام باقتراح آنذاك وصارت ضجّة، وكان الاقتراح هو أن يُعلن أنّه خلال سنة انتخابات وينسحب هو من المشهد السياسيّ، وطبعاً كان ردّه بما معناه الرفض»! وخلال المرحلة الثانية شهدت علاقات العراق وقطر تشنّجات واضحة، وبالذات خلال مرحلة حكم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (2006 – 2014). وبدأت المرحلة الثالثة بعد عودة العلاقات العراقيّة القطريّة،حيث أعلنت دولة قطر في سبتمبر 2015 تعيين زايد سعيد راشد الكميت الخيارين كأوّل سفير لها فوق العادة ببغداد، وقد امتازت هذه المرحلة بالهدوء وبأعلى درجات الدبلوماسيّة التقليديّة. وقد عملت الدولة القطريّة خلال سنوات المرحلة الثالثة على لعب دور المُمهّد لترطيب الأجواء بين قوى المعارضة العراقيّة الخارجيّة وحكومة حيدر العبادي وذلك لنشر الأمن والسلام في أرض الرافدين. وقيل حينها إنّ مبادرة المصالحة بين العراقيّين رُتّبت خلال زيارة خالد العطية وزير الخارجيّة القطريّ لبغداد نهاية مايو 2015، لكن يبدو أنّ هذه المبادرة لم ترَ النور! وقد كانت دولة قطر حريصة خلال حواراتها مع حكومات بغداد على السعي لتأسيس عراق جديد خال من الطائفيّة والمحاصصة، ويكون خيمة لكلّ العراقيّين! ومن يومها بقيت علاقات البلدين منحصرة تقريبا في الجوانب الاقتصاديّة والعمل لترتيب شراكات اقتصاديّة جادّة بينهما. وكشف علي بن أحمد الكواري وزير التجارة والصناعة القطريّ في مارس 2018 أنّ حجم التبادل التجاريّ مع العراق بلغ» نحو (472) مليون ريال نحو (129 مليون دولار) في العام الماضي، وحقّق ارتفاعاً بلغ (246) مليوناً عن عام 2016». وقد كانت الزيارة المهمة لأمير دولة قطر لبغداد قبل أيّام تحمل العديد من الرسائل السياسيّة والاقتصاديّة الداخليّة والخارجيّة، وربّما من أهمّها اهتمام القيادة القطريّة بالعراق كبلد حيويّ وكبير يمكن أن يساهم في نشر الأمن الإقليميّ والاقتصاديّ لدول المنطقة. ومن العوامل الباعثة للأمل من هذه الزيارة ما أشار إليه العديد من المراقبين العراقيّين المعارضين حول إمكانيّة إحياء قطر لدورها (القديم الجديد) في مساعدة العراقيّين على ترتيب أوراق بيتهم المبعثرة، وإنهاء السياسات الرسميّة غير الصحّيّة التي لا تتوقّف تداعياتها عند حدود العراق فقط. ورغم أنّ العراق يسعى لمشاركة مؤسّسات قطريّة في مشروع طريق التنمية، والذي تسعى بغداد من خلاله لتصبح مركزاً إقليميّاً للنقل يربط بين أوروبا والخليج، ورغم التوقيع على استثمارات قطريّة بقيمة خمسة مليارات دولار في العراق خلال زيارة سمو الشيخ تميم الأخيرة إلا أنّ الذي يهمّنا هو بقاء الدور القطريّ الحيويّ والفعّال للمساهمة في ترتيب البيت العراقيّ وصولا لمرحلة السلم المجتمعيّ وبناء دولة المواطنة.