17 سبتمبر 2025

تسجيل

نذر الحروب التجارية

24 يونيو 2018

60 % حصة التجارة من الناتج العالمي  كتبنا قبل عدة أسابيع مقالة تطرقنا فيها إلى نذر الحروب التجارية التي بدأها الرئيس الأمريكي ترامب في مارس الماضي بإعلان عزمه على فرض رسوم جمركية إضافية على واردات الألمنيوم والحديد من الصين وأوروبا وكندا. وها نحن نشهد اليوم التراشق بهذا السلاح بين الولايات المتحدة والصين من جهة، وبين الولايات المتحدة وأوروبا وكندا من جهة أخرى الأمر الذي دفع المنظمات الأممية المسؤولة عن الاقتصاد العالمي والتجارة مثل صندوق النقد الدولي والأونكتاد ومنظمة التجارة العالمية لإطلاق تحذيرات متتالية من العواقب الوخيمة لهذه الحرب، وخاصة أنها لا تقتصر على الدول الكبرى، بل سوف تطال الدول النامية أيضا، مما يهدد النظام التجاري المتعدد الأطراف الذي راكم إنجازات كبيرة تحققت على مدى سبعة عقود منذ بدايات مفاوضات الجات في العام 1947 شهدت ثماني جولات وأدت إلى خفض التعرفات الجمركية العالمية بنسبة تصل إلى 85%. الرئيس الأمريكي  ترامب يبرر الرسوم الحمائية التي يفرضها على البضائع الصينية، بأن بكين تنتهك حقوق الملكية الفكرية، وهو ما يزيد من حجم العجز التجاري للولايات المتحدة معها، حيث تشير الأرقام إلى أن صادرات الصين إلى الولايات المتحدة في عام 2017 بلغت 506 مليارات دولار، بينما كانت صادرات الولايات المتحدة للصين في العام نفسه 130 مليارا فقط. لكن الصين ترد على ذلك بأن أمريكا تبالغ في حجم عجزها التجاري مع الصين بتجاهل احتساب فائضها من تجارة الخدمات. فوفقا لوزارة التجارة الأمريكية أسهمت صادرات الولايات المتحدة من السلع والخدمات إلى الصين في دعم نحو 910 آلاف فرصة عمل داخل أمريكا عام 2015، منها 610 آلاف مدعومة بصادرات السلع، و309 آلاف أخرى. وعلى مدى سنوات، تمتعت الولايات المتحدة بفائض تجارة خدمات مع الصين حيث بلغ 38 مليار دولار عام 2016. وتضيف بأن أرقام الفائض خادعة أيضا لأن جزءا من الصادرات الصينية للولايات المتحدة هو من إنتاج شركات عالمية تستثمر في الصين، وهى في معظمها شركات أمريكية عملاقة مثل «أبل»، وبالتالي لا يمكن أن نعول على أرقام الصادرات والواردات بين البلدين دون قراءة في تفاصيل البضائع المصدرة. غني عن القول أن جميع الدول المشتبكة في حرب الرسوم الحمائية تمتلك الكثير من البدائل والخيارات المتاحة أمامها سواء الصين أو الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، مما يجعل هذه الحرب مفتوحة على كافة الاحتمالات والجبهات بدءا من الصادرات والواردات السلعية نفسها، مرورا بحروب العملة، والاستثمارات في السندات الأمريكية  والسياحة والقيود على أنشطة الأعمال وانتهاء باستخدام سلاح المقاطعة.  لقد أدى التوسع في التجارة إلى تعزيز النمو الاقتصادي وخلق الوظائف وزيادة دخل الأسر حول العالم إضافة إلى أنه يعتبر عاملاً رئيسياً في انتعاش دول الجنوب، حيث شهدت عشرات الدول النامية نموا اقتصاديا قويا وتغييرا اجتماعيا إيجابيا. وساهم خفض التعريفات إلى جانب التقدم التكنولوجي في التوسع الاستثنائي للتجارة العالمية التي نشهدها في الوقت الراهن. وفي عام 1960، كانت حصة التجارة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي تبلغ 24% لكنها اليوم تصل إلى حوالي 60%. كما ساعد في تحقيق أكثر إنجاز ملحوظ في تاريخ البشرية وهو إنقاذ مليار شخص من دائرة الفقر في حوالي عقدين من الزمان فقط. وصحيح أنه ليس الجميع حقق مزايا متساوية من التوسع التجاري بل إنه في بعض الحالات تسبب في التدهور البيئي والخسائر الاقتصادية للدول النامية، لكن حتما أن هذه الدول ستكون هي الخاسر الأكبر من هذه الحروب.