17 سبتمبر 2025

تسجيل

تدويل الحرمين الشريفين

24 يونيو 2018

نشرت جريدة الشرق القطرية، على صفحتها الإليكترونية بتاريخ 6/6/2018، أن السعودية تطلب من الخطوط الكويتية عدم نقل القطريين للعمرة دون موافقة أمنية مسبقة من السلطات المختصة بوزارة الداخلية السعودية ليتسنى قبولهم على الرحلات من قطر عبر الكويت إلى مكة. وهذا التصريح يخالف البيان الصادر من وزارة الحج والعمرة السعودية، على موقعهم في تويتر بتاريخ 5/6/2018، الذي رحبت به الوزارة بقولها "ترحب المملكة بالأشقاء القطريين للقدوم لأداء مناسك العمرة في ظل تعنت السلطات القطرية، وموقفها السلبي تجاه عدم تمكين مواطني قطر من أداء مناسك الحج والعمرة، وذلك بعد استكمال تسجيل بياناتهم النظامية بمطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة" وأكدت الوزارة في تغريدة ثانية بنفس التاريخ "بترحيب الوزارة بقدوم الأشقاء القطريين لأداء مناسك العمرة بعد استكمال تسجيل بياناتهم النظامية حال وصولهم إلى مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة". إن السعودية، وبدون سابق إنذار، قامت في تاريخ 5/6/2017 بالهجوم على مقرات القطريين في مكة وطلبت منهم مغادرة الأراضي السعودية في التو واللحظة، وقامت بتوجيه المصارف، ومكاتب تحويل العملة، والأماكن التجارية، بعدم قبول الريال القطري، مما زاد من معاناة القطريين لعدم قدرتهم حتى لشراء المأكل والمشرب. وأجبرتهم على المغادرة على أي طيران ما عدا الخطوط القطرية التي منعت من التحليق في الأجواء السعودية، إضافة لذلك قامت السعودية بشن حملات تحريضية ضد القطريين والمعتمرين. وفي موسم حج 2017 قطعت السعودية خطوط الاتصال بين وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية القطرية بوزارة الحج والعمرة السعودية، وذلك بهدف منع القطريين من الحج. وكل ذلك لأن قطر على علاقة طيبة مع جارتها إيران. في نفس الوقت نرى تناقضاً في الموقف السعودي فهي قد سمحت للإيرانيين، الذين تعتبرهم أعداءً لها وقطعت علاقتها مع قطر بسببهم، بالذهاب إلى الحج بشكل مباشر من إيران على متن خطوط الطيران الإيراني، وسمحت لهم بإقامة مكتب لرعاية الحجاج الإيرانيين، وكان في استقبال الوفود الإيرانية الحاجّة كبار المسئولين السعوديين. إن وضع العراقيل أمام الحجاج والمعتمرين القطريين والتعسير عليهم كالذي يمنع المسلمين من أداء النسك الواجب والمقرر عليهم من رب العالمين، وهذا في الشرع وفي جميع القوانين الدولية غير جائز. ولقد قامت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، مشكورة، باللجوء للآليات الدولية لرفع انتهاكات الشعائر الدينية ضد القطريين، وطلبت من 7 مقررين خواص بالأمم المتحدة مساءلة السعودية لضمان حق القطريين دون تمييز، ولكن كل محاولاتها باءت بالفشل. ومقال اليوم أناقش فيه موضوع تدويل الحرمين الشريفين الذي كنت معارضاً له بشدة منذ زمن طويل، بل وكنت أدعي على من يفكر فيه مثل علماء الهند والمغرب العربي، أو صدام والقذافي والإيرانيين، ولكني وجدت، بعد الحصار، أنهم كانوا على حق وكنت على خطأ. إنني في هذا المقال أخالف توجهات دولة قطر الرسمية التي تقف ضد تدويل الحرمين الشريفين.  قال تعالى "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ" آل عمران: 96، وبهذا فالكعبة هي أول مسجد وضع للناس كافة لعبادة الله وحده لا شريك له. ومع دخول الإسلام ونزول الآية الكريمة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا .." التوبة: 28، تم تخصيصها للمسلمين فقط. وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "لأخرجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً". وفي هذا فإن لكل المسلمين الذين شهدوا بوحدانية الله، بكل أطيافهم ومذاهبهم، الحق في زيارة المسجد الحرام، ومن يمنعهم أو يعسر عليهم في الوصول إلى البيت المعمور يكون في حكم الكافر لقوله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ" الحج: 25. ومع تتبع الأحداث التاريخية وجدنا أن آل سعود، منذ الدولة السعودية الأولى وحتى الآن، متخصصين في منع من يخالفهم من المسلمين من الوصول إلى بيت الله الحرام. وفوق ذلك فقد قاموا (أي آل سعود)، على مر التاريخ، بإزالة الكثير من المعالم التاريخية في مكة، وكأنهم بذلك يرغبون بإزالة كل أثر للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم (آخر محاولاتهم هو نبش ونقل قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضى الله عنهما من المسجد النبوي). ولم يكتفوا بذلك بل نجدهم قد أزالوا جبال لها علاقة بالأحداث الإسلامية مثل جبل عمر، وجبل العقبة، وجبل شيبة، وجبل الفلق، وجبل الكعبة، وجبل هندي. ولا ننسى أن حوالي 75 % من مساحة مشعر منى تحولت لقصور ملكية. والطامة الكبرى التي حدثت، في العهد الجديد، هو السماح، ولأول مرة، ببناء كنائس في المشاعر المقدسة بموجب اتفاق مع الفاتيكان. إن السعودية بهذه التصرفات، وغيرها الكثير، غير مؤتمنة على منطقة الحرمين الشريفين (انظر الموقع الإليكتروني للهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين). وهذا يقودنا إلى السؤال: هل آل سعود مؤهلون شرعاً لحكم الحرمين الشريفين؟ إنه ثابت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحديث الصحيح "أن الأئمة من قريش"، وقال صلى الله عليه وسلم "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم" وقال أيضاً "الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم" وقال "لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان"، هذه الأحاديث وغيرها الكثير لهي دليل على أن الخلافة، أو على الأقل حكم الحرمين الشريفين، أمر خاص بقريش لا يجوز عقده لأحد غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة، وكذلك من بعدهم. ولهذا لم يشهد التاريخ، من قبل الإسلام حتى 1925، أن حكم أرض الحجاز أحد من غير القرشيين (كان آخرهم الملك علي بن حسين بن علي الهاشمي الذي انتزع الحكم منه عبدالعزيز آل سعود في عام 1925). والكل يعلم أن آل سعود ليسوا بقرشيين، فلذلك لا يجوز شرعاً خلافتهم على أرض الحجاز، أو أرض الحرمين الشريفين. وبما أن آل سعود ليسوا ملوكاً على كل المسلمين، وبما أن أرض الحرمين هي ملك للمسلمين قاطبة، فعليه لابد من نزع سيطرة آل سعود من على الحجاز وإرجاعها إلى أصحابها الأصليين من الهاشميين، أو، على الأقل، القيام بتدويل الحرمين الشريفين أي بجعل الحرمين الشريفين تحت السيادة الدولية، أو مشاركة عدة دول إسلامية في إدارة الشئون الخاصة بها. إن تدويل الحرمين الشريفين هو ليس استعمارا، ولكنه يعني مشاركة الدول الإسلامية لتحقيق مصلحة إسلامية عامة لإدارة الحرمين وفق ضوابط شرعية لا سياسية. وفي الختام، نقول أنه وبعد مرور أكثر من عام على حصار قطر لا زالت عملية التعسير في ممارسة الشعائر الإسلامية تُمارَس من قِبل آل سعود على قطر وغيرها من الدول أو الأفراد المسلمين، وهذا يعتبر في حكم الشرع والمواثيق الدولية انتهاكا لحقوق الإنسان. إن آل سعود اعتدوا على حرمات الله بسيطرتهم على بيت الله بدون وجه حق، بل وتجاوزوا ما هو منصوص عليه بالحقوق المدنية والسياسية لحقوق الإنسان، ونشروا الكراهية والقومية والعنصرية بين الشعوب الإسلامية، وأنه آن الأوان لتصحيح الوضع بما يخدم المسلمين في ممارسة شعائرهم الدينية بحرية مطلقة. إن بقاء الحرمين الشريفين تحت إمرة آل سعود هو خطأ تتحمل الأمة الإسلامية تبعاته الشرعية. والله من وراء القصد ،،