23 سبتمبر 2025
تسجيلكنا نتحدث عن الفساد المالي، باعتباره ظاهرة وبائية تعاني منها وبالأخص المجتمعات العربية داخليا، وتأثير ذلك على العملية التنموية البشرية، وعلى ضوئه شرعت القوانين العقابية للحد منه ومكافحة المفسدين المتلاعبين بالأموال العامة بحكم المناصب أو التقرب من الأنظمة السياسية، أو التسيب المالي بلا رقابة، كما اعتمدت اتفاقية مكافحة الفساد من قبل الأمم المتحدة وتجريم مرتكبيها عام 20013، لأن كل ذلك يدخل في باب التلاعب وإهدار المال العام الذي هو مقدرات للمجتمعات والشعوب وأمانة في عنق المسؤولين، الذي يجب توظيفه للعملية التنموية والبشرية وتحسين الجودة في الخدمات التعليمية والاقتصادية والصحية والوظيفية والبنى التحتية من أجل مجتمع آمن ومستقر ومتطور، ولذلك لا نستغرب الأحوال المزْرية والمبكية التي وصلت اليها أغلب شعوب الدول العربية والإسلامية، حيث العوز والحاجة والمرض والفقر والجهل، حيث الحروب والنزاعات الداخلية، جميعها نتيجة الفساد المالي، وسوء استخدام المال العام وعدم وجود الضمائر المؤتمنة على المال العام، بالإضافة الى انعدام العدالة في التوزيع، فاختلاسه يعدّ جناية في جميع صوره، لأنه اعتداء على أموال عامة أخلاقيا، وشرعا قال تعالى :"وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ" فحين نسمع عن مليارات الدولارات تدفع من أجل التسليح، وصفقات شراء الأسلحة الأمريكية، أو من أجل شراء الذمم والضمائر أو من أجل بناء القصور والمنتجعات الخاصة، وامتلاك اليخوت الفارهة بإمكاناتها الخدماتية في الجزر والدول السياحية، كما هي امتلاك المشاريع التجارية والعمرانية داخلياً وخارجياً وغيرها، حينها نُدرك معنى قوله تعالى: "وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا" ولسنا بحاجة إلى بحث عقلاني أو تفكير منطقي أو تخصصي لمعرفة مصادر الأموال التي صرفت وتصرف على ذلك وتجاوزت حدودها مع فقدان المساءلة، وخاصة في ما يتعلق بالتسليح وشراء الذمم، ودفع الرشاوى، فالواقع المتعايش القريب لا تخفى صورته عن استغلا ل الأموال العامة والتي تبلغ المليارات من الدولارات، وإهدارها في تحقيق المصلحة الخاصة، سياسيا واقتصاديا، وليس أدّل على ذلك الآن من الأزمة الخليجية مع حصار قطر التي كشفت عن كيفية تطويع المال العام واستخدامه كأداة للصراع بين الدول التي حاصرت قطر، فمن عوائد الغاز والبترول والاحتياطي اشتعلت الحرب السياسية والإعلامية في الأزمة الخليجية، وصُبّت جميعها لإشعال فتيل الفتن والكذب والفبركة والدسائس، فالإمارات دفعت في حربها الإعلامية ضد قطر كما نشرت الصحف العالمية 14 مليون دولار سنوياً لشركات ومنظمات ضغط وشخصيات سياسية لشيطنة قطر وتشويه سمعتها بعد فشلها في تحقيق أهدافها، ووظفت شركة استشارات أمريكية وقدمت لها الملايين من الدولارات لنشر قصص ومقالات معادية ضد قطر، بالإضافة ما أنفقته المملكة السعودية التي غرقت في مستنقع اليمن ودفعت فاتورة باهظة الثمن بلغت المليارات، في الوقت الذي يعاني مواطنوها من الحاجة والعوز في المعيشة والوظائف، دون تحقيق أي هدف سوى تدمير اليمن اقتصادياً وبشرياً، وعلى أثرها تسير الإمارات، كما كشفت تقارير غربية عن تمويل رباعي الحصار، السعودية والإمارات ومصر والبحرين، للكثير من الحملات الإعلانية والدعائية والندوات الموجهة جميعها ضد قطر في الدول الأوروبية وأمريكا لتشويه صورتها واستئجار قاعات الفنادق الضخمة لعقد الندوات، وتأجير الشركات الأمنية العالمية والمرتزقة وغيرها الكثير لا يسعنا ذكرها، ولا ننسى ما كشف عنه ترامب الرئيس الأمريكي أنه أبلغ المسؤولين السعوديين بأنه لن يشارك في قمة الرياض ما لم يدفعوا مئات المليارات من الدولارات في صفقات شراء الأسلحة. ... إذن المال العام هو سيد الموقف في الأزمة الخليجية وفي تلك التصرفات والسلوكيات التي تعتمد المصلحة الخاصة قبل العامة، والتدمير قبل التفكير والتدبير، ما الذي تستفيده الشعوب من تصريف المال العام عبر القنوات الصرفية الهادمة والمدمّرة والذي أصبح ورقة متداولة لتحقيق الأهداف الخاصة وتحقيق الدمار للآخرين، ما صرف على الأزمة الخليجية الحالية الفاشلة في مخططها وأهدافها هو من الأموال العامة، وتجنيد الجيوش الإلكترونية أو ما يسمى "الذباب الإلكتروني" لتأجيج الفتن وتزييف الحقائق من الأموال العامة، دون استرجاع قوله تعالى "وَقفوهُم إنهَّم مَسؤولون" فهذا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "لو أن شاة تعثرت في أرض العراق لخفت أن يسألني الله عنها يوم القيامة"، فكيف بمن ضيع شعوبا ورمى بها في ظلمات الحروب والحاجة وقساوة العيش، ودفع مقابل ذلك المليارات من الخزانة العامة، فكيف بمن استغل أموالهم التي هي حق لهم في تحقيق الأهواء الشخصية والنزاعات الشعبية والمجتمعية!! كيف بمن رفع لواء صفقة القرن لتحقيق ما تروج له أمريكا بقيادة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية ويدفع مقابلها المليارات في شراء المساكن للصهيونية وتحقيق أهدافها. … إن كل ما يحدث من إهدار مالي وسوء استغلاله نتيجة قرارات فردية ارتجالية غير مدروسة الخطط والأهداف والنتائج، وفقدان الإستراتيجية في كيفية استغلال الأموال العامة، بعض الأنظمة تنفذ ما تراه هي دون الأخذ بالاعتبار المنفعة والمصلحة الشعبية والوطنية، لذلك هذه الأنظمة تقف بالمرصاد لكل ما هو ديمقراطي لتجنب المساءلة والمحاسبة في حالة وجود جوّ ديمقراطي وبرلمانات صحيحة، وها هي الشعوب تدفع الثمن، وضريبة حصار قطر، وتحرم من استغلال المال العام لتحسين وضعها وأمنها، وها هو الابتزاز السياسّي ما زال قائماً ومضخة الدفع ما زالت مفتوحة.