12 سبتمبر 2025

تسجيل

هل سيستفيد الغرب من تداعيات صفقة حكومة ميركل؟!

24 يونيو 2015

لا يكتفي الطغاة بإلحاق الأذى والضرر والعنت بالشعوب التي يحكمونها وهي تحت قبضتهم، بل يتجاوز الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك، أي إرغامهم على ترك ديارهم وأوطانهم، ثم مطاردة المعارضين لهم في كل أرض وتحت كل سماء، وتشويه صورتهم والانتقام منهم، ومحاولة اغتيالهم، أو محاولة إعادتهم للتنكيل بهم، أو السعي لإسكات أصواتهم الحرّة.أقول هذا الكلام بمناسبة محاولة نظام الانقلاب في مصر الفاشلة لتوقيف الإعلامي المعروف أحمد منصور في ألمانيا ومن ثم ترحيله للقاهرة.ولأنّ منصور صحفي يعمل في شبكة إعلامية ضخمة، تسعى للدفاع بقوة عن العاملين فيها عند تعرضهم للمكروه، ولأنه يتمتع بشهرة واسعة عربيا بحكم البرامج الناجحة التي يقدمها منذ سنوات، ولارتباط الموضوع ببعد سياسي بيّن يتعلق بالموقف المعادي للسلطات المصرية من قناة الجزيرة ومن السماح لها بالعمل داخل بلادها منذ الانقلاب، واعتقال عدد من كوادرها.. فإنّ اعتقال منصور الذي غدا طليقا منذ الاثنين الماضي قد نال حظه من الاهتمام وتم تسليط الضوء عليه وربما أسهم ذلك في تسريع الإفراج عنه، لكنّ كثيرين تعرضوا لمثل ما تعرض له منصور وربما أكثر من ذلك، أو يمكن أن يتعرضوا لمثل ذلك خلال هذه الفترة الحالية والمستقبلية لم تسلط الأضواء على معاناتهم أو معاناة أضرابهم. قامت كثير من الأنظمة الديكتاتورية العربية خلال العقود باغتيال وتصفية العديد من المعارضين لها في الدول التي لجأوا إليها أو تم اختطافهم أو استدراجهم بطرق مخابراتية قذرة ومن ثم إعادتهم لدولهم ومن ثم اعتقالهم وتصفيتهم، وما تزال هذه اللعبة تمارس حتى اليوم.وكأن الطغاة وكل من يعاونوهم لا يكفيهم ما يفعلون بالشرفاء من شعوبهم سواء تعلق الأمر بالسجون الكبيرة وما تتضمنه من إذلال وتعذيب يمتهن الكرامة الإنسانية، أو عقاب جماعي من خلال القصف بالأسلحة المختلفة بما فيها المحرّمة دوليا، والملاحقة واضطرارهم للنزوح واللجوء والتشرد في بلاد الله الواسعة بأعداد تصل للملايين، ليواصلوا عمليات الإيذاء لهم حتى وهم بعيدون عن سلطانهم بأساليب شتى منها على سبيل المثال لا الحصر توجيه الاتهامات الكاذبة لهم، وقد كشف إعلامي كبير آخر في الجزيرة كيف تمّ اتهامه من قبل النظام السوري بتحويل بيته لمركز لإيواء وتدريب الإرهابيين وتصنيع الأسلحة الثقيلة وحفر الأنفاق، فضلا عن إيذاء أرحام وأقارب المعارضين واعتقالهم للضغط عليهم، وإصدار أحكام قضائية مسيسة عليهم غيابيا، ومنع الوثائق عنهم والتي تعد حقا أصيلا لهم كجواز السفر، وصولا إلى إسقاط الجنسية عنهم. نفهم أن كثيرا من جرأة هذه الأنظمة المستبدة في تعاملها المشين مع شعوبها التي ترفض تكميم أفواهها يتم بسبب صمت ما يسمى بالعالم الغربي المتحضر الذي يوصف بالديمقراطية عن جرائم هذه الأنظمة وتواطؤها معها، بسبب حفاظها على مصالح هذه الدول ومصالح حلفائها في المنطقة، أو لخشيتهم من سيطرة تيار الإسلام السياسي فيما لو سقطت هذه الأنظمة، ولكن أنّ يتمّ عقد اتفاقات وتفاهمات سريّة بينها وبين هذه الأنظمة المستبدة لتمرير صفقة على مستوى تسليم صحفي مطلوب لنظام بلاده على خلفية سياسية وتجاوز كل القوانين والأعراف، فذلك شيء يدعو للاستغراب الشديد، ويدل على الحضيض الذي وصلت إليه هذه الدول الغربية، التي تتشدق بتبني الحريات والدفاع عن الحقوق والحريات. وإذا كان واقع الأنظمة الاستبدادية والانقلابية في عالمنا العربي يؤكد أنها خارج سياق التاريخ وفهم المتغيرات المتسارعة من حولها، والتطورات التي عرفتها المنطقة مؤخرا، وإصرارها على منطق القوة والحديد والنار في التعامل مع خصومها السياسيين، فإن ما ينبغي أن يفهمه الغرب أن تحالفه مع الأنظمة المستبدة وعقد صفقات سيئة معه سيؤدي إلى انفجار عاجل قريب أو بعيد، وسيحول هؤلاء المعارضين شيئا فشيئا إلى خانة التطرف، وبالتالي تخرج الأمور في المنطقة عن نطاق السيطرة، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى الإخلال بالأمن الإقليمي والدولي، ولن يقتصر شرره على المنطقة بل سيتسع إلى دوائر أوسع، فالقطّ إذا ما حوصر في زاوية ضيقة يصبح كالنمر الجريح، ينقض بشراسة على كل مّن هم حوله. سيكون لما لحق بالصحفي المصري أحمد منصور تداعيات قريبة أو بعيدة الأجل على حكومة المستشارة الألمانية ميركل، كما أكد منصور نقلا عن صحف وشخصيات ألمانية... فهل آن للغرب أن يستوعب الدرس الحالي ويتخلى عن دعم الأنظمة الاستبدادية والانقلابية، ويبتعد عن سياسة إبرام الصفقات المشبوهة معها؟!، وعليه أن يتذّكر أن العلاقة مع الشعوب دوما هي الأبقى والأقوى من العلاقة مع الحكام.