11 سبتمبر 2025
تسجيلفي أعقاب فشل مفاوضات أوكرانيا مع دائنيها والتي جرت الشهر الماضي، أعلنت الحكومة الأوكرانية عن توقفها عن سداد ديونها السيادية الخارجية التي سبق وأن اقترضتها الحكومات السابقة، ووصفتها بأنها قروض النهب والسرقة، وهو الأمر الذي يمكن أن يقربها إلى حد كبير من دائرة التعثر والإفلاس، وقد اعتمدت الحكومة الأوكرانية في تبنيها لهذه الخطوة على ما يسمى بنهج أو نظرية الديون البغيضة، التي تقوم على رفض فكرة مسؤولية الحكومات الحالية عن سداد ديون الحكومات السابقة لها عند ثبات تورطها كسلطة استبدادية في عدم توظيف هذه القروض في مصلحة أو حاجة البلاد، وإنما تم توظيفها في تقوية النفوذ الاستبدادي لهذه الحكومات، وهي الفلسفة التي وضعت الأمم المتحدة خطوطها العريضة في عام 2007 حين سمحت لبعض الدول بعدم سداد ديون حكوماتها السابقة إذا ما تم التيقن من استخدام هذه الأموال المقترضة وبعلم دائنيها في قمع الانتفاضات الشعبية لأبناء هذا البلد.ولقد حاولت الحكومة الأوكرانية استثمار حالة التعاطف الدولي خاصة الغربي منه في مواجهتها لروسيا، في محاولة إقناع دائنيها بأن الأموال التي اقترضتها الحكومة السابقة أثناء حكم الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش الموالي للروس وحصوله منها قبل مغادرته البلاد مباشرة على ثلاثة مليارات دولار في صورة سندات تستحق السداد في نهاية هذا العام، وصرح رئيس البلاد الجديد المنتخب بترو بوروشينكو بأن أموال القروض التي حصل عليها سلفه لم تستخدم لصالح الشعب الأوكراني وإنما تم إهدارها عبثاً، وأضاف الرئيس الأوكراني أنه من غير المنطقي أن تُدفع أموال دافعي الضرائب الأوكرانيين في سداد هذه القروض البغيضة بدلاً من توجيهها لتغطية احتياجات المواطنين وتعزيز التنمية بالبلاد.ولعل أخطر ما في توقف أوكرانيا عن سداد ديونها يتمثل في الأعباء والضغوط المترتبة على السندات والقروض المستحقة للقطاع الخاص، الذي لن يسكت كثيراً على أمواله المستحقة السداد خاصة إذا لم يكن طرفاً في هذا النزاع، وليس ببعيد التجربة والمعركة المريرة المترتبة على توقف الأرجنتين عن سداد ديونها المستحقة لصالح دائنيها من القطاع الخاص بعد تعرضها للتعثر والتي استمرت لأكثر من عشر سنوات رغم تشكيكها في شرعية هذه الديون... ومن ثم فإن مثل هذا الأمر سوف يُعرض أوكرانيا بلا جدال للكثير من العقوبات الرسمية المرتبطة عادة بعمليات التعثر والتوقف عن السداد، وفي مقدمتها الحرمان مستقبلاً من أية قروض أو تسهيلات ائتمانية، وبالطبع فإن الحكومة الأوكرانية تعلم قبل غيرها بحاجتها الشديدة حالياً للمزيد من القروض والتسهيلات الجديدة وإلى صفقات إعادة الهيكلة.ويزداد الأمر أهمية إذا علمنا بأن اليونان رغم أزماتها الاقتصادية والمالية الطاحنة وتعثر مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي في إعادة جدولة ديونها وحصولها على قروض إضافية بعد انتخاب حكومتها اليسارية الجديدة التي انتخبت مؤخراً برئاسة اليكسيس تسيبراس، وما يمكن أن يترتب على ذلك من احتمالية خروجها من الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، إلا أنها لم تفكر حتى الآن في استخدام دعوى الديون البغيضة التي اقترضتها حكوماتها السابقة.وإن كان البعض الآخر من المتخصصين في هذا الشأن يرون في استخدام سلاح الديون البغيضة وسيلة ضغط وتفاوض يمكن أن تؤتي بنتائج إيجابية، خاصة بعد نجاح الأكوادور في عام 2008 اعتبار اثنين من إصداراتها من السندات التي طُرحت خارج البلاد في عام 2000 ديوناً غير شرعية تم إبرامها في ظل نظام سابق فاسد، وأعلنت أنها بصدد الانتهاء في العام المقبل من هيكله كامل ديونها... وهو أيضاً ما دفع أصحاب نظرية الديون البغيضة بالعمل على إقناع الزعيم نيلسون مانديلا برفض سداد ديون جنوب إفريقيا التي حصلت عليها حكومات الفصل العنصري السابقة، ودفع كذلك الكثيرين للمناداة بشطب ديون العراق لدى الولايات المتحدة الأمريكية بعد الاحتلال في عام 2003.هذا ويرى الكثير من الخبراء والمحللين أن الوقت المتاح أمام الحكومة الأوكرانية قد بدأ في النفاد ولم يعد أمامها العديد من الخيارات، حيث يتوجب عليها ضرورة التوصل مع دائنيها لإعادة هيكلة أكثر من 24 مليار دولار من ديونها بحلول الشهر المقبل، وإلا فإنها سوف تقع تحت ضغوط صندوق النقد الدولي الذي بدأ في التلميح والتهديد بالحرمان من منحها للشريحة الثانية من القرض المتفق عليه بين الطرفين، وحينئذ لن يكون أمام الحكومة الأوكرانية سوى الدخول في دوامة التعثر الجهنمية التي سوف تقودها إلى الإفلاس وذلك كخيار وحيد وأخير أمامها.