19 سبتمبر 2025

تسجيل

الفرق بين عربي وآخر إحساس

24 يونيو 2014

صرح المتحدث باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن عدد اللاجئين حول العالم يقدر بخمسين مليون إنسان، وهذا رقم كارثي، وإن تخلصت أوروبا والولايات المتحدة واليابان واستراليا ومثلها العديد من الدول الناهضة من مشكلة اللجوء والنزوح فذلك لأنها طورت قواعد اللعبة السياسية واتجهت إلى التركيز على الاقتصاد والعمل وفتح آفاق الابتكار والأسواق الحرة لمواطنيها ودعم الشباب، ما أدى إلى قلب الصورة حيث أصبحت هذه الدول مستوردة للاجئين لا مصدرة لهم كما يحدث في بلاد العرب.في عالمنا العربي الجميع يعرف ويعلم ويتكلم ويتفلسف بمنطق غريب عجيب وهو أننا أمة واحدة وشعب واحد ووطن واحد فرقنا الاستعمار فيما نحن كرسنا أهدافه في حدود غير طبيعية ووضعنا حدودا جديدة داخل كل بلد أيضا، ولذلك تتفجر الأزمات وتشتعل الحروب داخليا وخارجيا في بلادنا لأن السياسات خاطئة في أغلبها، وتعودنا على ظاهرة اللجوء المؤقت والدائم أيضا دون تفكير بما يجب أن يتم اتخاذه على مستوى القيادات الملكية والرئاسية للعمل على تأمين العيش الكريم والأمن والخدمات للمواطنين لأن غالبية القيادات تفتقد للإحساس بإنسانية مواطنها وهي من تسير الجيوش التي تفتك بالمواطنين داخليا وخارجيا وتدفعهم إلى الهروب واللجوء.وهذا يعيدنا إلى التفكير في الوضع الاقتصادي للشعوب العربية التي تستحوذ قياداتها والأشخاص المقربين لها على أعلى حصة من الثروة وينخر الفساد في جذع الدولة الرسمية، فنجد أن آلافا من المواطنين العرب لا يجدون عملا يقيم أودهم في بلادهم التي يستحوذ على ثرواتها الطبقة العليا للقوم رغم أن مواردها تكفي لجميع المواطنين وتكفيهم حاجتهم، أو على الأقل توفر الخدمات والاحتياجات الضرورية لهم، ولكن في المنطق نجد أن كثيرا من مواطنينا هم لاجئون في منازلهم بلا دعم حكومي حقيقي ولا أممي لأن الموازنات تبتلعها جهات تخطط لشفط ما في جيب المواطن لينفق على برامج الحكومة التي تعيد تدوير الأموال ممن يستحق لمن لا يستحق.التجربة القطرية كمثال وبلا شك هي محط حسد من أصحاب النفوس الطامعة، فقد فتح خبر صحيفة "الشرق" هنا قبل أسبوعين نافذة ليتعرف العالم على الإنجاز الرسمي والمزايا التي تتوفر للمواطن عندما توفر له حكومته فرص العيش الكريم والتنافسية الحميدة لتحقيق الإنجاز الشخصي، فإذا كان الخبر يفيد بأن القطريين سجلوا في سويسرا أعلى نسبة أثرياء ثرواتهم فوق 100 مليون دولار مقارنة بعدد السكان فذلك لأن السياسة الرسمية العليا في قطر سمحت للمواطنين الاستفادة من الثروات الوطنية. لذلك يظهر الفرق ما بين مواطن عربي لاجئ نتيجة جنون القيادة أو فسادها، ومواطن رائد يحقق لذاته احتراما ورقيا في عالم بات معياره خدميا واقتصاديا كمؤشر للاستقرار السياسي، فريادة الأعمال والسيطرة المنضبطة للرأسمال القطري في الأسواق العالمية والازدياد الملحوظ لرجال المال والأعمال من الأشقاء القطريين في جميع دول العالم مرده في اعتقادي إلى الاستقرار السياسي وتوفر المناخ الآمن لبيئة الأعمال والدعم الاقتصادي من الحكومة وأجهزة الدولة للمشاريع والأشخاص، وهذا ما يمنع ـ بحول الله ـ حدوث اضطرابات سياسية ونزاعات داخلية تؤدي إلى هجرات أو لجوء كما يحدث في دولنا العربية التي يهاجر منها الناس بحثا عن العمل خارج بلادهم، فيما تحولت قطر كمثال مستورد لطالبي العمل لا كطارد لشعبها كما نرى حولنا.فإن كانت سوريا لا تمتلك الموارد المغرّية للرفاهة الاجتماعية فإن العراق كان في قمة الثراء النفطي والتجاري ولكن الحروب والقلاقل فيهما صدرّت موجات اللجوء والهجرة، فيما اضطر عدد كبير من الليبيين إلى اللجوء نحو أوروبا أثناء المعارك الداخلية التي أطاحت بالقذافي، أما السودان فهو المثال الصارخ للاجئين المعدمين جراء الاقتتال والحروب وكذلك اليمن الذي صدر لاجئين كثر إلى جواره، تماما على خطى أهلنا الفلسطينيين الذين شردهم الكيان الصهيوني في أصقاع الدنيا. اليوم نجد كثيرا من العرب صغارا جدا في عيون العالم، لأنهم أصبحوا صغارا في عيون حكامهم المضطربين نفسيا في جمهوريات السلاح القاتل للشعب، فهم يقتلونهم مرتين، مرة في سمسرة الصفقات ومرة في صفقات القتل وأحكام الإعدام بالمئات، ولذلك لابد من إنشاء هيئة عربية سامية للاجئين العرب توفر لها مليارات الدولارات للقيام بواجب إغاثة موجات اللجوء التي لن تنتهي مادمت هذه الأنظمة الدموية جاثمة على صدور شعوبها.على الأنظمة العربية أن تتعلم من درس الحرب العالمية الثانية التي خلفت 50 مليون جثة، ومن أوروبا وشقيقتيها أمريكا واستراليا وشرق آسيا اللاتي أفقن من سكرة الحرب وقامت دولها بتنظيف بلادهم من وحشية القيادة، والدخول في عمليات بناء إنساني ومجتمعي على أسس عادلة ومتوازنة لتتنافس بخدماتها وصناعتها واستقبالها للمهاجرين، وهذا ما يجب على العرب الذين أسهموا بـجزء من 50 مليون لاجئ حول العالم جراء ويلات الحروب، وعلى القيادات العربية إعادة بناء الهرم بالمقلوب لتحقيق مجتمع أكثر عدالة وأقل صغرا في عيون العالم.