20 سبتمبر 2025
تسجيلبين وقف الأمم المتحدة إحصاء قتلى السوريين، وحسمها حالة الانتظار الطويل للسوريين في معرفة مصير فلذات أكبادهم المختفين قسرياً لدى النظام السوري ست سنوات ونيف، فبينما أعلنت المنظمة الدولية أخيراً بأن غالبية المعتقلين السوريين قد قتلوا ودفنوا، دون أن تعطي المنظمة الدولية تفاصيل لذوي الضحايا الذين ينتظرون تأكيدات، فضلاً عن معرفة كيف قتلوا، ولائحة الاتهامات الموجهة إليهم، وأكثر من هذا كيف توصلت المنظمة الدولية لهذه المعلومات، لكن كل هذا ليس من أولويات المنظمة الدولية على ما يبدو. حتى الآن المنظمات الحقوقية السورية تقدر عدد المغيبين قسرياً بأكثر من 130 ألف شخص، بينهم نساء وشيوخ وأطفال قُصّر، ولكن كثيراً من الحقوقيين يرون الرقم أكبر من هذا بكثير، إذ هذا ما استطاعت المنظمات الحقوقية توثقه. وبينما كانت الأمم المتحدة تعلن ذلك الخبر الفاجع للسوريين الذي يمس الملايين منهم، كان المبعوث الدولي لسوريا غير بيدرسون مهتماً أكثر بالجولة الدستورية، وهي كل ما تبقى من الهولوكوست السوري برأيه، حيث سارع بيدرسون للترحيب بإفراج النظام عن مئات من المعتقلين السوريين، وهو الذي أفرج عنهم دون أن يعلن أصلاً ولسنوات عن سبب الاعتقال ولا عن لائحة الاتهام، ولم يعرضهم حتى على قضاء معروف بهزليته، ولكن على الأقل من باب الشكليات. بينما التزم بيدرسون الصمت تماماً إزاء مجزرة التضامن التي تم الكشف عنها وراح ضحيتها 288 شخصاً، وتم توثيق ذلك بالصوت والصورة، ولكن لم يعلق المبعوث الدولي أبداً عليها، تماماً كحال المنظمة التي ينتمي إليها. عشرات الآلاف الذين قضوا ووثقتهم كاميرا «قيصر» الذي تابعها العالم كله قبل سنوات، وبالتأكيد تابعتها الأمم المتحدة، لكن كالعادة لم تكترث بها، كاكتراثها في زراعة البحر المصرّة عليه، في اللجنة الدستورية، والتي لم يتم الاتفاق على كلمة واحدة من الدستور الذي تبحثه منذ سنوات، بينما طاحونة القتل والدمار والخراب متواصلة وعلى رأسها طاحونة تعذيب وتصفية المعتقلين، إذن هي نفس الاستراتيجية التي انتهجها النظام منذ السبعينيات والثمانينيات، وسط صمت دولي وأممي، وذلك حين اعتقل عشرات الآلاف، وصفّاهم في سجونه وعلى رأسها تصفيات سجن تدمر بحسب شهادات المعتقلين الذين يتحدثون عن تصفية ما لايقل عن 30 ألف معتقل في السجن لوحده، ومع هذا التزمت الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية الصمت إزاء تلك المجزرة المتنقلة والمستمرة لأكثر من عقدين، ومن بين تلك المجازر مجزرة مدينة حماة في فبراير/ شباط 1982 ،والتي ستظل نقطة سوداء بتاريخ المنظمة لصمتها، والتي راح ضحيتها 40 ألفا استخدم النظام يومها الدبابات والمدفعية والصواريخ في تدمير المدينة، واتخذت المنظمة الدولية وضع المزهرية، وربما لو اتخذته في تلك السنوات لكان الوضع مختلفاً اليوم في تعاطي النظام السوري مع معتقليه ورهائنه. اللافت أن الأمم المتحدة التي دعت إلى محاكمة النظام السوري، وتوثيق جرائمه التي ارتكبها بحق السوريين، هي من أول من تخرق دعواتها، بالتحاور مع نظام إبادة، وهي التي تعرف أكثر من غيرها مجازرة الكيماوية، وكذبه عليها بأنه دمر ترسانته من الأسلحة الكيماوية، ليتبين لاحقاً أنه لم يدمرها بالكامل، والدليل أنه استخدمها غير مرة بعد تعهده بالتدمير، فكانت مجزرة الكيماوي في اللطامنة وخان شيخون وسراقب وغيرها. سجل السوريين مع الأمم المتحدة كسجل الفلسطينيين والعراقيين والأفغان وغيرهم، فلم تفلح بإنصاف الضحايا، وإنما اقتصر عملها على إدارة أزمات، وفي الغالب تكون الإدارة لصالح الظالم وليس المظلوم، وحتى الدور الذي عُرفت به من تقديم احتياجات اللاجئين والمشردين ترى نفسها اليوم تخضع، بل وتقبل بابتزاز روسيا العضو في مجلس الأمن الدولي لها، باستخدام الفيتو الخاص بها لوقف تدفق المساعدات الإغاثية لملايين المشردين في الخيام بالشمال السوري، ووسط هذا كله يواصل النظام السوري هوايته في تصدير الأزمات، إن كان بتصدير الكبتاغون للعالم كله، حيث احتشد الجيش الأردني لحماية حدوده من تسونامي المخدرات والكبتاغون، أو لتصدير خبراته التدميرية إلى أوكرانيا بعد أن كشفت الغارديان عن إرسال 50 من خبرائه إلى روسيا، لتصدير خبرته في صناعة البراميل المتفجرة وإلقائها على الأهالي هناك كما فعل في سوريا.... نظام لا يُحسن إلاّ تصدير أزماته، وفتنه، ونظام برع في فن التدمير والتخريب، ولا شيء غيره، ولكن هذه المرة تدمير وتخريب خارج سوريا التي دمرها لـ 12 عاماً، ولا تزال الأمم المتحدة مستعدة للتعاطي معه وتوفير غطاء الشرعية له.