13 سبتمبر 2025
تسجيلتمر علينا اليوم الذكرى المئوية لقيام الثورة العربية وخروج الخلافة العثمانية من بلاد العرب، مائة عام مضت على الوطن العربي، الذي أضحى اثنين وعشرين وطنًا، فيما اجتزأت منه أراض غالية وباتت محتلة أو ضائعة، فلسطين وقدسها العظيم، والإسكندرون والأحواز وجزر الخليج العربي، ثم هاهو قد عاد بعد مائة عام يغوص في ظلام الفرقة والفقر والحروب وتهديد شبح التخلف الصناعي والفكري والديمقراطي، أما الإمبراطورية التي خرجت بعد حكم 400 عام، فقد تقلصت إلى دولة واحدة، ولكنها حققت اليوم بفضل استغلال قيادتها لنمط الحكم السياسي الإسلامي الديمقراطي المتعدد، مقعدا متقدما لها على مسرح العالم، وفيما يتقدم الآخرون ويتطورون لا نزال نتأخر ونتأخر رغم ثرواتنا وعائلتنا الواحدة.تحتضن تركيا اليوم القمة العالمية الأولى للعمل الإنساني التي تنظمها الأمم المتحدة، ويشارك فيها خمسة آلاف مسؤول من 180 دولة، ويحضرها الأمين العام للأمم المتحدة إضافة لستين رئيس دولة وحكومة والعشرات من الوزراء وآلاف المسؤولين وممثلي الهيئات الدولية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، من مناطق الأزمات وبؤر الصراعات، وتدلل هذه القمة غير المسبوقة بهذا العدد لحاجة العالم فعلا لتغيير المفاهيم الفكرية التي تعالج حياة الإنسان، ليتحول البشر من قتل بعضهم بعضا إلى إنقاذ الآخرين، ووضع حلول للكوارث التي تقع على البشر.العرب ومنذ ودعوا حكم العثمانيين واستقبلوا حكم الإنجليز والفرنسيين ثم احتفلوا باستقلالهم المجزوء وروابطهم التبعية، حتى وصلوا إلى الغزو الجديد للجيوش الأمريكية والروسية ومرة أخرى البريطانية والفرنسية، لم يبنوا لهم جيشا واحدا موحدا يحميهم، بل رفضوا مجرد مناقشة فكرة الاتحاد، وكأنه يوم القيامة الموعود، ومازالوا يعيشون كذبة كبيرة، ولكل قوم منا كذبة هو صاحبها صدقها مع مرور الزمن وتوارثتها الأجيال، ولعل أول المبتدعين لمنابر الخطابة كي يروج الكذبة الأكبر هو الرئيس المصري الأشهر جمال عبد الناصر، الذي صنع له تيارا سياسيا يعرف "بالناصرية" ولا يزال كثير من السياسيين والمثقفين يؤمنون به، فناصر لعب بمشاعر الشعوب من باب القومية العربية، فيما كانت سجون نظامه ومعتقلاته تعجّ بالإسلاميين ورجال الدين.مائة عام مضت ولم نضع لنا أي أساس لمنظومة عربية موحدة، فكل عقد من السنين يخرج علينا قائد عسكري، لم يخض أي معركة سوى معارك الكلام، فيشبع المنابر خطابات ملتهبة، ويحكم بأحكام المستبد المتفرد، ليعلن أنه المبعوث لكي يحارب أعداء الأمة، ويخلص البلاد والعباد من الشرر والضرر، وتطول السنين وهو جاثم يشتري السلاح، خشية العدو، ثم في النهاية لا يظهر لنا أي عدو سوى الشعب المضطهد، حتى إذا ما رفع صوته مناديا بالحياة الكريمة،خرج السلاح المخبأ للعدو المفترض ليقتل به الشعب البائس اليائس الذي لم ير أي فرق ما بين الاستعمار الغربي والاستعمار القيادي العربي.. وللنظر حولنا فماذا نرى؟القمة العالمية للعمل الإنساني هي نتيجة لما يحدث في هذا العالم من كوارث طبيعية أو بفعل البشر، ولكن في المحصلة النهائية لتصنيف المتضررين حول العالم من البشر جرّاء الحروب والاستهداف والتجويع والتشريد والتجهيل والتمييز الديني والعرقي، نجد أن المسلمين هم في قائمة التصنيفات والعرب على رأس الشعوب المستهدفة، وبلادهم موسومة باللون الأحمر كأكثر البلاد صعوبة للعمل الإنساني وتقديم المساعدات للمدنيين، فسوريا تعد اليوم أخطر البلاد للعمل الإغاثي نتيجة حصار النظام وأعوانه للبلدات وعسكرة المجتمع هناك، ثم الأراضي الفلسطينية المحتلة والمحاصرة من قبل السلطات الإسرائيلية، والصومال وأفغانستان وميانمار التي يحرق ويهجر فيها المسلمون تحت نظر وصمت العالم، وغيرهم من البلاد النامية.يقول "هيرف فيرهسل" المتحدث باسم القمة العالمية: إن العالم يشهد أسوأ وضع إنساني منذ الحرب العالمية الثانية.. فهناك أكثر من 120 مليون شخص في العالم بحاجة إلى مساعدات إنسانية، مؤكدًا أن نحو هناك 350 مليون شخص يواجهون أزمات إنسانية حول العالم سنويا بسبب الصراعات والكوارث الطبيعية وغيرها من المشاكل التي يتسبب بها البشر.إذا دعونا نفهم إن لم نكن، هل توجد صراعات وحروب اليوم في أوروبا وأمريكا وبلاد العالم الأول والثاني، بالطبع لا، إذا لمن يصنع السلاح الذي يقتل المدنيين ويسفك دماء الأبرياء ويشجع البشر على القتال ضد بعضهم، أليست دولنا العربية والعالم الثالث هي أكثر البلاد استيرادا للسلاح، منذ جاءت لنا بريطانيا العظمى بالسلاح لنقاتل العثمانيين ثم لنقاتل بعضنا كي نقسم وطننا العربي الكبير إلى أجزاء وطنية تضخمت فيها الشوفينية والإقليمية والأحكام المستبدة، ونحن نستعد لقتال العدو، ولم ننتصر على أي عدو حقيقي، فإسرائيل أصبحت قوة عظمى، وهي تقتلنا بأسلحتها التي تصنعها، وإيران تقاتلنا بالفكر الطائفي وكذبة المواجهة والممانعة لإسرائيل. العالم يبحث عن حل لمأساة البشر ونحن لا نزال نشتري السلاح من الشركات الكبرى، وثلثي شعوبنا العربية تعيش حياة البؤساء، ثم يناقش العالم كيفية معالجة مشاكلنا التي نحن سببها، لهذا فإن الحلّ المنطقي لعلاج مشاكلنا في العالم العربي هو حظر بيع السلاح للعرب، كي نعيد توجيه أموالنا إلى التنمية البشرية والعلمية والصناعية، ونحل ثلثي صراعات العالم، وننقذ أجيالنا القادمة من الهلاك والمستقبل المظلم.