14 سبتمبر 2025
تسجيلالشيء المؤكد أن الحكم والمقولات التي توارثتها الأجيال لم تأت من فراغ، وانها لا شك نتاج خبرات وتجارب حقيقية مرت بمن عاشها فأنطقته كلمات هي خلاصة عمر وحياة. وفي كثير من الأحيان وفي بعض التجارب الشخصية نجد أنفسنا وقد كررنا من تلك المقولات التي توارثناها نلوم بها الناس أو الزمان أو الحظ، ونحملهم مسؤولية ما يحدث لنا، ونصب جام غضبنا عليهم، مثلما نقول أحيانا مؤكدين (اتق شر من أحسنت إليه)، والتي قيلت يوما لسبب ما من تجربة صادقة ربما لا نعرفها اليوم، لكننا شعرناها بقوة وأكدتها لنا الحياة وتوارها الناس يرددونها جيلا بعد جيل أسفا وندامة. فقد قرأت عن أحدهم ممن قضى ما قضى من العمر وهو يقدم الإحسان والبر لمن حوله، بهدف حب الخير والإحسان فقط، فقد كان لا ينتظر من وراء ذلك إلا سعادته حين يرى ثمرة إحسانه فرحا في وجوه من أحبهم وأحسن إليهم، لكنه عندما سئل عما يريد أن يوصي به بعد مماته قال بأسف: أن يكتب على قبري من بعدي (اتق شر من أحسنت إليه).! فالغريب ان الشر والأذى أحيانا لا يأتيان ممن قد تتوقعهما منهم، لكنك قد تسيل دماؤك بغرس أشواك من قدمت لهم الورود، ودائما الأسباب مجهولة، ولا تستطيع أن تفسر ذلك الجحود والنكران، ولا تحضرك حينها بأسف إلا أن تقول (اتق شر من أحسنت إليه). والغريب أيضا اننا نحن البشر بطبيعتنا، نجد أننا دون أن نشعر ننقاد وندين لمن أحسن إلينا، ورغم ان من يحسن دائما لا ينتظر معروفا، إلا أنه لاشك يأسف على لؤم ليس من لا يشكر ولا يذكر، وإنما من لا يكف الأذى. ومثل الكثير من حكايات الجحود والنكران، رأيت من انتشلت زوجها من أزمة مالية كبيرة، وما ان وقف بعد الانكسار حتى تخلى عنها وذهب ليسعد بمالها مع أخرى، وغيرها ممن وثقت بصديقتها ووقفت معها في كل أزمات حياتها، فكان جزاؤها منها أن نصبت شباكها حول زوجها وخطفته وانتزعت منها حياتها وسعادتها. وأخرى ممن قامت بتربية أحد أقاربها في منزلها، واحتوته بكل معاني الاحتواء، فما ان كبر حتى تركها، ليس دون أن يزورها أو يسأل عنها، ولكن دون أن يكف عداءه لها. كثيرا ما سألت نفسي ذلك السؤال الذي لا جواب له، لماذا قد يحدث ذلك؟ ولماذا لا يأتي الشر أحيانا إلا ممن نحبه ونحسن إليه؟. ومع كل هذا فلا يمكن لإنسان يمتلك قلبا سويا إلا أن يبر وألا يجازي إلا بالخير والأفضل لمن يحسنون له، والإنسان الخير بطبعه لا يستطيع أن يغير من طبيعته لمجرد أن هناك من الناس من خذلوه بنكرانهم وشرهم، ويظل كما هو خيرا، ولا يمتلك إلا أن يتوسم الخير والعطاء الذي يراه في طبعه في كل من حوله. ما زلت ممن يعتقد كثيرا بمقولة (اتق شر من أحسنت إليه)، وفي الوقت ذاته أعتقد أيضا بأن الإنسان الجاحد غير مأسوف عليه، وإن سوءه ليس قاعدة للجميع أبدا، فالحياة أيضا فيها الكثير من الخيرين الأوفياء الذين يقدرون من يحسن إليهم ويذكرونه أبدا، فهناك مقولة قديمة أيضا بأن (الإنسان عبد الإحسان).. إنها دعوة لاستمرار الخير مهما تألمنا من شرور البعض، فلا تزال هناك قلوب محبة صادقة، ولا يزال الخير هو أساس الحياة.. [email protected]