15 سبتمبر 2025
تسجيلفي ظل متابعة الأحداث الإقليمية وتداعيات الحرب الصهيونية على غزة، وموقف حكومات العالم الغربي وخصوصاً الولايات المتحدة من تلك المأساة الإنسانية التي كشفت عن الوجه القبيح للدعم الغربي اللامحدود لدولة الاحتلال، وما يحدث من تكتلات وتحالفات جيوسياسية في الغرب والشرق، برزت عدة تساؤلات منها: إلى أين يتجه هذا العالم؟، هل يتجه لمزيد من التوترات والحروب أم للسلم والعدل؟ وكيف ومتى سيكون ذلك التغيير؟ وما مستقبل النظام العربي في ظل هذه التحولات الكبرى؟ في مقالة بعنوان «هل العالم يتجه نحو النظام أم الفوضى؟»، للكاتب والمؤلف «كيشور محبوباني» من معهد أبحاث آسيا بجامعة سنغافورة الوطنية، وهو مؤلف كتاب «القرن الحادي والعشرون الآسيوي»، وكتاب «هل فازت الصين؟»، يقول الكاتب إن السنوات العشر المقبلة ستكون حاسمة في تشكيل النظام العالمي الجديد، ويضيف بأن الطريقة التي سيتعامل بها العالم مع هذا العقد سوف تحدد طبيعة النظام العالمي الذي سينشأ. ويرى الكاتب أن المفارقة الكبرى في التغيير الذي ينتظر العالم في العقد القادم هو أن الغرب «الولايات المتحدة وأوروبا الغربية» الذي ورث النظام الجديد بعد الحرب العالمية الثانية، والذي قاد النهضة الصناعية والعلمية في العقود الثمانية الماضية، لن يكون قادراً من الناحية العملية على الأخذ بزمام المبادرة في تحديد مستقبل النظام العالمي، وذلك أن الولايات المتحدة وأوروبا ضائعتان وتواجهان اضطرابات عميقة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وأنهما يرتكبان أخطاء استراتيجية خطيرة، ويشير إلى أن الولايات المتحدة اليوم ربما لم تكن منقسمة داخليا إلى هذا الحد منذ الحرب الأهلية في ستينيات القرن التاسع عشر، إلا أن المجتمع الأمريكي متحد بالكامل حول اقتراح جيوسياسي واحد وهو الوقوف في وجه الصين، ومع ذلك فإن الأمر الصادم هو أن الولايات المتحدة وبشهادة أعظم مفكريها الإستراتيجيين، هنري كيسنجر، لا تملك إستراتيجية شاملة طويلة الأمد لإدارة المواجهة مع الصين. والآن أصبحت النهضة الاقتصادية في الصين أمراً لا يمكن إيقافه، وعلى نحو مماثل، لا يمكن الإطاحة بالحزب الشيوعي الصيني على طريقة الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، فعلى النقيض من السكان السوفييت، شهد سكان الصين أفضل ثلاثين عاماً من التنمية الاجتماعية والاقتصادية خلال ثلاثة آلاف عام من تاريخ الصين، لذا سيكون من غير العقلاني أن يطيح الشعب الصيني بالحزب الذي جلب لهم كل هذا الرخاء والرفاهية. فهل هناك إذًا مسار أكثر حكمة يمكن للولايات المتحدة أن تسلكه في التعامل مع الصين؟، لقد أوضح بيل كلينتون مثل هذه الإستراتيجية الحكيمة عندما ألقى خطابًا في جامعة ييل قبل عشرين عاما، وقال: «إنه من أجل الاستعداد لعالم تصبح فيه الولايات المتحدة رقم 2، ينبغي تعزيز القواعد والمعايير والمؤسسات والعمليات المتعددة الأطراف»، لقد أشار كلينتون بوضوح إلى أن هذه هي الطريقة الأفضل لتقييد الصين عندما تصبح في المرتبة الأولى. ومع أن العديد من الزعماء والمفكرين الأوروبيين يسرون بامتعاضهم من السياسات الأحادية التي انتهجتها أمريكا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة في التعامل مع الصين، إلا أن الاتحاد الأوروبي يظل ملتزماً بدعم السياسات الأمريكية غير الحكيمة، بدلاً من توجيه الولايات المتحدة نحو التكيّف والتوافق مع الحقائق العالمية الجديدة. وعلى صعيد آخر، تدرك الهند الفرص السانحة لها في المستقبل القريب وتعمل بكل جدية على اقتناصها واستثمارها، حيث تعد الهند بالفعل ثالث أكبر اقتصاد في العالم وسوف يتجاوز جميع الاقتصادات الأوروبية من حيث القيمة الاسمية قريبا جدا، كما تدرك الهند إدراكاً عميقاً أن العالم يتحرك الآن في اتجاه جديد متعدد الأقطاب ومتعدد الحضارات. وتتمثل الميزة التنافسية للهند في أن لديها علاقات جيدة نسبيا مع جميع القوى الكبرى، كما تسعى بكل قوة للحصول على العضوية الدائمة في مجلس الأمن. يقول الكاتب إن إحدى الحقائق التي يتعين على واشنطن قبولها هي أن 12 % فقط من البشرية يعيشون في الغرب والباقي (88 %) يعيشون في أماكن أخرى من العالم، وكان أغلب هؤلاء متفرجين سلبيين خلال القرنين الماضيين عندما كانت الولايات المتحدة تبدو كأعظم قوة في العالم على الإطلاق، والآن، وكما أظهر الانتعاش المذهل للصين والهند ورابطة دول جنوب شرق آسيا، فإن هؤلاء الذين يشكلون 88 % يريدون أن يكون لهم صوت مسموع في الشؤون العالمية، فإذا ما اتخذنا القرارات الصحيحة لتعزيز التعددية لإدارة العالم الجديد، فقد ينتهي بنا الأمر إلى وجهة سعيدة بعد عشر سنوات من الآن، ولكن إذا رفضت العواصم الرئيسية، وخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، قبول ضرورة التكيف مع عالم جديد متعدد الأقطاب والحضارات، فسوف ندخل عالماً أكثر اضطراباً، وسوف تسود الفوضى بدلا من النظام. الجدير بالذكر هنا هو أن الكاتب لم يذكر شيئاً عن العالم العربي على طول امتداده وعرضه، وعمق حضارته، واحتضانه لمنابع الطاقة، فهل سقط العالم العربي سهواً من حسابات الكاتب أم أن الأمر حسب معطيات الواقع يبدو طبيعيا؟.