طبل بن طبلان

في استوديو تلفزيوني في احدى القنوات العربية جلس مقدم البرنامج الاجتماعي المنوع مع ضيفه الذي لبس ازهى واغلى ما يملك من ثياب واكسسوارات، بدأ المذيع بتقديم الضيف فقال " اعزائي المشاهدين يا مرحبا فيكم وحلقة جديدة من برنامج "لقاء مع شخصية اجتماعية"، واللي بنستضيف فيه احدى الشخصيات الاجتماعية المعروفة والمشهورة على منصات التواصل الاجتماعي والموجودة في مجتمعنا لنلقي الضوء اكثر على تفاصيل حياته الشخصية ومسيرته المهنية، فرحبوا معاي بالأستاذ طبل بن طبلان"، يبتسم الضيف ابتسامة عريضة يكاد ان يتشقق وجهه معها فيقول "اهلن وسهلن عزيزي بك وبكل المشاهدين"، يمسك المذيع اوراقة ويبدأ في تقليبها ثم يقول للضيف "أستاذ طبل ممكن تسلط الضوء على شخصيتك وتوضح لنا اكثر من انت ومن تكون وشنهو الدور اللي تلعبه في المجتمع ؟"، يشبك الضيف بين أصابع يديه ويقول "انا اسمي طبل بن طبلان مواطن كنت فيما مضى شخص عادي، ولكني اكتشفت او تعرفت على ما تقدر تسمية مهنة او وظيفة او هواية او ادمان سمها على كيفك، واللي تعتبر من اقدم المهن اللي زاولها البشر منذ فجر التاريخ الا وهي التطبيل"، يقاطع المذيع الضيف فيقول له "لحظة أستاذ طبل شلون من اقدم المهن في التاريخ ممكن توضح لي هذه المعلومة ومن وين جبتها"، يرد ابن طبلان بسرعة فهو دائما حاضر البديهة فيقول " شلون مب اقدم مهنة والمطبلين موجودين في التاريخ القديم والمعاصر، احنا لنا الفضل وبكل فخر في كل انجاز تم لأننا نقوم بدور حيوي ومهم في اظهار مكارم ومناقب وأفضال المسؤولين وعلية القوم"، يرتشف الضيف قليلا من الماء ثم يتابع حديثه قائلاً "التطبيل يا عزيزي بكل بساطة فن لا يجيده الجميع وإنما يجب ان تمتلك مواصفات معينة لتصبح مطبل متميز ومشهور"، يتجاوب مقدم البرنامج مع طرح الضيف فيسأله "طيب ممكن تعرف السادة المشاهدين اكثر على ما هي هذه المواصفات وما هي الآليات التي تساعد في جعل أي شخص عادي الى مطبل مرموق"، يضحك الضيف ضحكة صفراء ويقول "عزيزي هذي من اسرار المهنة وكل مطبل لديه تكتيكات تطبيلية معينة فمن الصعب ان اكشف لك اسرار اكل عيشي، ولكن بشكل عام اول صفة يجب ان يتمتع بها المطبل هي المبالغة والمدح حتى لو كان الامر غير صحيح" يقاطع مقدم البرنامج الضيف فيقول له " تقصد ان يكون منافق وكذاب ؟"، يبتسم الضيف ويقول " هذا من وجهة نظرك ووجهة نظر الناس اني لازم أكون منافق وكذاب ومتسلق ومتملق ولكن انا اسميه فن الوصول الى المسؤول وكسب ثقته، فالغاية عندي هي الاهم، حتى لو تعرضت للهجوم والانتقاد والاتهام بأي شيء فهذي كله اعتبرها ضريبة الشهرة، بل بالعكس كل ما زاد انتقاد المجتمع لي كل ما زادت شعبيتي وشهرتي وقدرت اصل للمسؤولين بكل سهولة، فحكمتي في الحياة أنا اطبل فأنا موجود". استمرت المقابلة لمدة حوالي الساعة بين هجوم من مقدم البرنامج ودفاع مستميت من الضيف المطبل الذي برر وفسر وعلل جميع افعاله بثبات منقطع النظير. وفي الختام أقول: إن ظاهرة التطبيل أو لنقل النفاق الاجتماعي للمسؤولين وأولي الامر هو أمر ليس جديدا أو دخيلا على مجتمعنا، إنما هي ظاهرة موجودة في كل مجتمع وعلى مر العصور، فقد قيل إن فرعون موسى أوشك على الإيمان حينما قال له موسى عليه السلام: " يا فرعون آمن بالله ولك ملك مصر في الدنيا والجنة في الآخرة " فالتفت الفرعون إلى هامان رأس المطبلين في من حوله فقال: " ما رأيك يا هامان فيما يقول موسى، وأظن أنه ناصح أمين، وأنه محق فيما يقول؟ " فما كان من رأس المطبلين الفرعونيين إلا أن قال " يا فرعون أتريد أن تصير عبدا عابدا بعد أن كنت إلها معبودا " فلبس على الفرعون الكفر وكان سبب هلاكه في الدنيا وعذابه في الآخرة، وقد تنكر له حين أدركه الغرق.