11 سبتمبر 2025

تسجيل

مشنقة الحياة

24 أبريل 2015

الاختلاط بين الناس بكافة طبقاتهم وبتنوع رغباتهم وطموحاتهم وبتفاوت تفكيرهم وعقلياتهم لا شك أنه نوع من أنواع الخبرات التي يستمدها الإنسان من هذه الحياة والتعامل مع تلك الاختلافات هو بحد ذاته علم وفن يحتاج للحكمة والقدرة على استيعاب كل تلك النفسيات ففي البيت الواحد تتعامل مع الزوجة بعكس تعاملك مع الأبناء والتعامل مع الأبناء يختلف ما بين الصغير والكبير والذكر والأنثى حتى أن الرغبات والطموحات وطرق التفكير تختلف في البيت الواحد فما بالكم بمجتمع كبير تتضارب فيه المصالح والأهداف والعقليات والثقافات ويختلف فيه الإنسان بكل تصرفاته من بيئة لأخرى لذا من لا يملك القدرة على استيعاب كل ذلك والتعامل مع كل تلك الاختلافات بالعقل والحكمة فلاشك أنه سيعاني كثيراً. يوسف عليه السلام في حياته مر بالكثير من الأحداث المختلفة سواء في بيته بين أهله وإخوته أو في بيئة العبودية في بيت العزيز أو بعد توليه لخزائن الأرض كقائد وحاكم ولكنه مع تغير الظروف والأحداث والأماكن بكل ما فيها النفسية والاجتماعية والبيئية إلا أنه كان رجلاً صاحب منهج واحد لم يتغير ولم يتلون بل تعامل بصدق وإحسان فكان الصادق المحسن ومع السلطة والقوة كان حليماً تحدث بلغة التسامح ولم يكن منتقماً بل زاد عليها ليكون رحيماً بأن يدعو لمن أساءوا له بالمغفرة والصلاح.هذه هي النفس البشرية بفطرتها وقوتها فليس الانتقام ولا الغضب قوة ولم يكن التسامح والإحسان والحِلم والرحمة ضعفاً ، ولم يتغير المنهج ولم تتغير الأخلاق رغم التغير الكبير في كل الأحوال.النفس السوية لا يمكن أن تكون سوية وهي تتعامل مع الآخر بروح الشك وبلغة الغضب والانتقام وتستنفد جهدها بالتآمر والمكر والكيد وتتبع عورات الناس واستغلال ضعفهم ولن يعيش سعيداً من يستنزف عقله ووقته وهو يفكر كيف ينتقم من هذا ويقصي ذاك فليست هذه حياة يسعد فيها الإنسان بل هي شقاء مستمر ونار تأكل نفسها بنفسها لا يستيقظ صاحبها إلا وهو محاط بأنواع الأمراض النفسية وشحنات من الكره قد خسر كل من هم حوله فصفات الشيطان لا تنتج خيراً بل كل تلك الصفات هي أدوات نفسية يستخدمها الشيطان ليهلك صاحبها.بسط يدي العفو وملء القلب بالرحمة والعطاء بإحسان والصدق في الكلام واستيعاب الناس في كل حالاتهم هي صفة تحلى بها العظماء على مر التاريخ وكانت صفات الأنبياء والرسل ولكن الحقيقة المؤلمة أن كل ذلك كمال من الصعب الوصول له ، ولكنه جهاد نفس يتطلب قناعة ثم عزيمه ثم عملا قدر المستطاع ثم يصبح منهجا وعادة تستأنس به النفس فتعيش سعادة داخلية يصعب إفسادها وإن جنحت فسرعان ما تعود لبيئتها التي انسجمت معها.وتعلموا أن الكراهية دائماً تكلف الإنسان أكثر وأن الصلح مع النفس رخاء لا يعادله ثمن وأن القلق مشنقة الحياة.