12 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); كان هذا موضوع حلقة برنامج "على الحياد" الذي بثته القناة التركية يوم الثلاثاء 15 أبريل الماضي، والواقع أن هذا الموضوع مطروح منذ أكثر من ثلاثة عقود من قبل مفكري المنطقة والمهتمين بشؤونها، ويبدو أن التغيرات التي شهدها العالم والمنطقة لم تقدم إجابات واضحة حول هذا السؤال، خاصة بعد موجة الربيع العربي الذي توقع فيه البعض أن يعاد تقييم مسارات وفاعلية عملية الإصلاح السياسي في المنطقة؛ ولذا لا يزال الأمر موضوعاً للنقاش الذي تتباين فيه الآراء والمواقف من هذه العملية وهو ما كشفت عنه هذه البرامج. إن خطوات الإصلاح السياسي التي اتخذتها الدول الخليجية خلال العقود الماضية، لا تزال موضوع تساؤلات: هل جاءت كردة فعل لضغوطات داخلية أم هي نتيجة قناعات بأن المشاركة الشعبية في صنع القرارات الوطنية تعتبر أهم عوامل الاستقرار في هذه الدول؟ قد تكون الإجابة عن هذا السؤال هي أن توجه الدول الخليجية لتقاسم عملية صنع القرار بينها وبين مواطنيها جاء نتيجة لجملة متداخلة من العوامل الداخلية والخارجية، التي حتمت عليها إضفاء بعض مظاهر الدولة المدنية الحديثة التي تبنى على مقومات معينة، منها: الدستور، والمجالس التشريعية المنتخبة، والمجالس البلدية، والمنظمات المدنية، والإعلام الحر، ولجان حقوق الإنسان، وإعطاء المرأة حق المشاركة السياسية، إلا أن البعض يرى أن قدرة هذه البنى السياسية الحديثة لا تزال محدودة في إحداث تحول ملموس في الناحية السياسية، وأن وتيرة الإصلاح لا تزال في بعض دول المنطقة متوقفة على المحيط الإقليمي وتأثيراته على الداخل الخليجي، وخير مثال على ذلك ما صاحب موجة الربيع العربي من التفاتة إلى الداخل سياسيا واقتصاديا، مما يشير إلى أن الإصلاح السياسي قائم على ردة الفعل في بعض دول المنطقة، مما يفقده فاعليته وأثره في إيجاد وفاق وطني حقيقي يسهم في التغلب على التحديات المتعددة والعميقة التي تمر بها دول المنطقة. إن دول المنطقة لابد أن تنظر إلى الإصلاح السياسي على أنه أبرز عناصر منظومة الأمن والاستقرار الخليجيين على المستوى البعيد، لأنه أساس في بناء دولة المؤسسات التي تعمل على بناء مواطنة تشاركية وتفاعلية في الشأن الوطني، وتكفل سد منافذ الفساد المالي والإداري التي تعيق التنمية المستدامة في المنطقة، وخلال الفترة الماضية عبرت أصوات لها وزنها في المنطقة عن مخاوفها من تذبذب مسيرة الإصلاح السياسي في بعض دول المنطقة، فهذا الشيخ سلمان العودة يقول: "الناس هنا مثل الناس في العالم، لهم أشواق ومطالب وحقوق، ولن يسكتوا إلى الأبد على مصادرتها كلياً أو جزئياً... وحين يفقد الإنسان الأمل، عليك أن تتوقع منه أي شيء"، وذكر أن الأسباب الحقيقية التي تستدعي وجود مؤسسات تتولى المشاركة والتشريع والرقابة في بلده هي: "الفساد المالي والإداري، والبطالة، وصعوبة الحصول على السكن، والفقر، وضعف الصحة والتعليم، وغياب أفق الإصلاح السياسي"، وهي تحديات تم التطرق إليها في كثير من البرامج والندوات والمؤتمرات التي عقدت في السنوات الأخيرة، والتي خلصت إلى نقطة مهمة هي أن عملية الإصلاح السياسي لم تعد ترفاً، بل هي أساس للتغلب على هذه التحديات المختلفة.إن السؤال الذي طرحه بعض من تطرق إلى هذا الموضوع هو من أين يأتي الإصلاح؟ هل من القمة أم من القاعدة؟ ومنطلق طرح هذا السؤال هو موجة الربيع العربي التي للوهلة الأولى أظهرت أن الإصلاح السياسي في المنطقة العربية لا يمكن أن يحدث إلا من القاعدة، لأن الجماهير هي وحدها القادرة على بلورة طموحاتها وأهدافها وأفق الإصلاح السياسي الذي تحتاجه، وإذا جاء هذا الإصلاح من القمة سوف يكون ناقصاً، لكن هناك من يرى أنه في حالة دول الخليج فإن القمة ممثلة في قيادات الدول الخليجية لابد أن تبادر بالإصلاح، لأنه المسار الذي لا بديل عنه في ظل معطيات الواقع، وهو كفيل بتهيئة الأرض الخليجية لمرحلة جديدة في تاريخها تضمن مستقبلا أفضل للأجيال المتزايد من الشباب الذين يواجهون متغيرات معقدة اليوم، بعضها مرتبط بواقع حياتهم اليومية، هؤلاء الشباب لابد أن يشاركوا في صياغة هذا المستقبل بما يكفل لمجتمعاتهم الاستقرار، وبما يضمن لهم الرفاه الذي يتناسب مع ثروات بلدانهم النفطية.أكدت هذه الحلقة على وجود أسباب موضوعية تستدعي مراجعة تقييم عملية الإصلاح السياسي، بعضها ديموغرافية تتمثل في الزيادة المستمرة للشباب في مختلف مجتمعات المنطقة، وتغير نظرتهم لطبيعة الدولة ومؤسساتها نتيجة تفاعلهم مع كثير من الأفكار التي تركز على المشاركة في صياغة سياسات التنمية، وضبط آليات إنفاق المال العام، وحمايته من أي استغلال، وهناك أيضا المخاوف من جماعات الإسلام السياسي، والطائفية الدينية التي تقسم بعض المجتمعات، مما يتطلب إعادة بناء الجماعة الوطنية على أسس واضحة تقوم على مبدأ المواطنة الكاملة، أما في ما يتعلق بالعوامل الخارجية فهي مرتبطة بالتحولات في العلاقات الإقليمية التي تشهدها المنطقة حاليا والتي تجري وفق ثلاثة مسارات، هي: العلاقة مع الولايات المتحدة، العلاقة مع إيران، والعلاقة مع دول الربيع العربي، عدم ثبات هذه العلاقات يحتم تعزيز الداخل من خلال الدفع بمزيد من الإصلاحات السياسية التي من المتوقع أن تحقق هدفين أساسيين لاستقرار هذه المجتمعات: الأول يتعلق بتوجيه سياسات التنمية التي تقلل من البطالة وسوء الخدمات التي يعاني منها كثير من الشباب، وثانياً تعزيز تقوية تماسك الجماعة الوطنية بما يحقق استقرارا لا غنى عنه لمواجهة هذه التحولات الإقليمية.يعتبر مشروع الإصلاح السياسي في المنطقة أساسا لإحداث أي تغيير في نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والثقافية الأخرى في المنطقة، وبالتالي في بناء الدولة على أسس مؤسساتية تكفل للجميع نفس القدر من العدالة الاجتماعية من ناحية، وتضمن الاستناد إلى نهج الحوار في التغيير، ولقد عبر ولي عهد البحرين في حواره مع شبكة (BBC) في عام 2011م على أهمية التوجه للإصلاح بقوله: "نحن نريد أن نصلح هذا الوضع، نريد ألا يتكرر... مرة ثانية"؛ قد تكون هذه الدعوة جاءت في ظل أزمة، لكنها لا تزال اليوم حاضرة في تأكيد أن الإصلاح السياسي ضرورة ملحة في المنطقة، وأن تمكين الأجيال الشابة من المشاركة في الحياة السياسية وفي قيادة مؤسسات بلدانها أمر سيساعد على تجدد الحياة السياسية، وسيضمن جريان دماء شابة في أوردة مراكز صنع القرار في الدول الخليجية بما ينعكس خيراً على التنمية وسياساتها، وبما يكفل منح هذه الأجيال الثقة لخدمة بلدها بشكل أفضل، وهذه إحدى النقاط التي طرحها الصحفي بجريدة الحياة اللندنية على وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي حين سأله: "متى سيغادر وزراء خارجية الخليج مناصبهم بعد عقود طويلة تاركين المجال لغيرهم؟"، وهو سؤال ربما لم يخص فيه الصحفي وزراء الخارجية فقط، إنما رمز به إلى أهمية تجديد الحياة السياسية في دول المنطقة في ظل تجدد كل شيء فيها بسرعة كبيرة.