03 أكتوبر 2025

تسجيل

«بيل غيتس».. الوجه الإنساني

24 أبريل 2013

مثلما كان عقلية متميزة وعملاقا في مجال البرمجيات، كمؤسس ومسؤول عن الشركة العملاقة (مايكروسوفت)، ثم شخصاً يشار إليه بالبنان كأغنى أغنياء العالم لسنوات، ها هو " بيل غيتس" يبقى في دائرة الضوء والشهرة لا يغيب عنها، ولكن هذه المرة في المجال الإنساني الذي أراد أن يكرّس بقية حياته متفرغا له بصفة كلية، خدمة للفئات الضعيفة في مجالي الصحة والتعليم، ويضرب به أروع الأمثلة للأثرياء، لاسيَّما في عصرنا الحالي، حينما انصرف عن مجالات التجارة والمال والأعمال، وزهد في عوالمها، لصالح العمل الخيري، وسعى كما يتضح إلى ترك بصمة واضحة تحسب وتذكر له. ويبدو أن سيرة بيل غيتس كما تصلح أن تدرس كقصة نجاح، في مجال الابتكار والأعمال والريادة في هذا المجال، ـ رغم عدم إتمام صاحبها لدراسته الجامعية ـ والعصامية في عالم التجارة والمال، فإنها تصلح الآن أن تقدم في مجال التطوع، وخدمة المجتمع، والزهد في مفاتن الحياة ومباهجها وشهرتها، والحرفية في العمل الخيري أيضا. كان بيل غيتس يوم أمس في العاصمة القطرية الدوحة بوصفه الرئيس المشارك لمؤسسة "بيل ومليندا غيتس" حيث وقع باسم مؤسسته اتفاقية تعاون مع مؤسسة قطرية عريقة تحمل اسم هذا البلد الطيب (قطر الخيرية)، من أجل دعم خطة المبادرة العالمية للقضاء على شلل الأطفال العالمية في باكستان، والوصول إلى عالم خال من مرض شلل الأطفال، بحلول 2018، مثلما تخلص العالم من مرض الجدري في سبعينيات القرن الماضي. علما بأن المرض ينتشر في ثلاث دول فقط، هي باكستان وأفغانستان ونيجيريا، ويأتي التوقيع على أعتاب القمة العالمية للقاحات المنعقدة في أبو ظبي خلال الأسبوع العالمي للتطعيم (24-30 أبريل الحالي)، حيث يتم تنظيم هذه القمة من أجل مواصلة زخم عشرية اللقاحات التي تحمل رؤية والتزاماً بأن يحصل جميع الناس على اللقاحات التي يحتاجونها. إذن فإن غيتس لا يكتفي بدعم الجهود الإنسانية للوصول إلى عالم خالٍ من شلل الأطفال، من خلال "مؤسسة بيل ومليندا غيتس" الإنسانية فحسب، رغم إمكاناتها الكبيرة في التبرع، بل يسعى لقيادة عملية دعم المبادرة الدولية بهذا الشأن، ويقوم بعمل شراكات مع مؤسسات خيرية عبر العالم لتنظيم حملات الدعم لها، وقبل مدة بسيطة عقد اتفاقية مماثلة مع مؤسسة الوليد بن طلال الخيرية على سبيل المثال لا الحصر. ثمة ما يميز مسيرة بيل غيتس في العمل الإنساني، وتجربة مؤسسته الخيرية، وهو ما يصلح للتأمل والدراسة واستخلاص الفائدة، ولعل من أهم ذلك: قراره قبل حوالي سبع سنوات التخلي عن أي عمل تنفيذي في شركات البرمجيات " مايكروسوفت " العملاقة، والتي أسسها ورعاها على عينه، وذلك للتفرغ للعمل الإنساني عبر العالم، مكتفياً بالرئاسة الشرفية لمجلس إدارتها والعمل لمدة يوم واحد أسبوعيا فيها. وقد جاء هذا التخلي في أوج التربع على عرش مجده، وفي وقت كان فيه أثرى أثرياء العالم. ـ تخصيص 95 %من ثروته الضخمة للعمل الخيري وتوريث أطفاله الثلاثة 5 % منها فقط، وهو قرار فريد وجريء على مستوى أثرياء العالم. ـ حثّ الأثرياء أمثاله لتخصيص جزء كبير من أموالهم لصالح المشاريع والبرامج الخيرية، وتخصيص الجزء الأكبر من ثرواتهم بعد موتهم لصالح هذه الأعمال النبيلة. وقد كان ملاحظا استجابة عدد منهم لذلك ومنهم الملياردير وارين بوفيت الذي أعلن عام 2006 عن تبرعه لمؤسسة "بيل ومليندا غيتس" بمبلغ ثلاثين مليار دولار، على أقساط ولمدة 10 سنوات لتمكينها من مضاعفة خدماتها. ـ تأسيس مؤسسة"بيل ومليندا غيتس" التي تعد أكبر مؤسسة خيرية خاصة في العالم، وقدرت موجوداتها عام 2011 بـ 26 مليار دولار، وحجم تبرعاتها نفس العام بـ 2.6 مليار دولار، ويعمل فيها حوالي 1000 شخص، في معظم المدن الأمريكية بالإضافة إلى أكثر من مائة دولة عبر العالم. وقد تأسس هذا الصرح الخيري بعد أن تبرع كل من غيتس وزوجته ميليندا بأسهم قيمتها 94 مليون دولار، وفي عام 2000 قدم الزوجان 126 مليون دولار لتوسيع عمل المؤسسة، وفي الفترة من 2008 ـ 2011 ضح الزوجان والمتبرعون للمؤسسة مليارين من الدولارات لصندوق المؤسسة، تلا ذلك إعلان الملياردير وارين بوفيت تبرعه بمبلغ 30 مليون دولار. ـ الاهتمام بالجوانب العلمية والبحثية التي تخدم العمل الإنساني، فقد أعلن مؤخرا أنه خصص 10 مليارات دولار خلال السنوات العشر الحالية للأبحاث والتنمية ولتقديم لقاحات للأطفال الفقراء في العالم، وتعزيز الشراكات والتعاون مع المؤسسات المماثلة. ـ إعلان غيتس عن تكريس نفسه للعمل الإنساني، بعيدا عن أي طموحات سياسية، من وراء أعماله الخيرية، وعدم رغبته الترشح لأية انتخابات سياسية. وهو ما يدل على زهده فيما سوى هذا العمل، الذي له لذة لا يعرفها إلا من ذاقها. رغم أن الطموحات السياسية قد لا تتعارض بالضرورة مع حبّ الإنسان للخير، وخدمة الناس والمجتمع من حوله. أليس كثير من هذه التصرفات والأفعال نحن أولى بها في العالمين العربي والإسلامي، سواء على مستوى الأثرياء وأصحاب المال والأعمال، أو على مستوى الحرفية والمهنية في عمل المؤسسات الإنسانية والخدمة العامة؟!