14 سبتمبر 2025

تسجيل

المعرض المهني وصكوك الغفران

24 أبريل 2011

إذا كانت صكوك الغفران في قرون سلفت تمثل فيها الكنيسة الكاثوليكية الله على أرضه والقسيس هو الحامل الرسمي للجواز الخاص بالغفران من الذنوب لدخولهم مملكة السماء، فإن المعرض المهني المقام سنويا في قطر هو بوابة دخول الشباب لمملكة الأرض ليس بالضرورة للدخول في عالم المهنة والعمل فيها بل لدخول اسم الشاب في صك من صكوك التوظيف لتسجل في النهاية رقما فلكيا للذين تشرئب أفئدتهم لوظيفة مناسبة لمؤهلاتهم أو حتى تستوعب مخرجات تعليمهم والتي رغم جهود المعرض النيرة إلا أنها قد تتعثر بفعل بعض قساوسته. وإن كان المعرض المهني وفكرته وتنظيمه سنويا سنة حسنة وفكرة رائدة، وعملا جديرا بأن تشكر عليه جهود الجهة المنظمة والتي استوعبته علميا ومهنيا بما تضيفه عليه سنويا من أفكار تطويرية تخدم أهدافه. إلا اننا نجد ونقرأ في وسائل الإعلام مقولة عامة " اختتم "هذا الأمر" أعماله بنجاح " ولا نعلم ما هي مؤشرات النجاح في مثل هذا المعرض؟ هل هي النتائج التنظيمية والتي بالتأكيد ناجحة 200 % في نسخة رابعة مميزة؟... أم النتائج الوظيفية " المرتبطة بتحقيق الأهداف" وهي الأمل والطموح؟ أم هو مستوى المشاركات المؤسسية التي وصلت الى 130 جهة حكومية وخاصة ومشتركة، أم هو عدد الحضور والزوار الذي وصل 55 ألفاً هذا العام؟ ام المحصلة النهائية للمتقدمين للوظائف، والتي لا نرى في زيادتها في النسخة الرابعة من المعرض إذا زادت حقا إلا دليلا على عدم بلوغ الأهداف في نسخ 1 و2 و3 نظرا لتكرار المترددين عاما بعد عام. ولكي نشترك في كتابة «الفصل القادم من نجاح قطر»، يجب ان تتكاتف جهودنا جميعا لنقيم احتياجات الفئة المستهدفة من هذا المعرض "الشباب" أولا وأخيرا، ونرى بأعينهم ونتحدث بصوتهم عن سبب عدم نجاح أحدهم في دخول عالم الآخر، وسبب تكرار خوضهم عتبات المعرض سنويا وهم يجددون الأمل... حتى لا تتحول قصص النجاح التي بذلها منظمو المعرض الى ذرائع إحباط او توصف بانها صورية أو وهمية بسبب إحباط من يقعون تحت "البطالة" أو يسمون أنفسهم بأنهم عاطلون أو معطلون عن العمل أو محرومون من فرصه الواعدة في قطر خصوصا وإنهم على تويتر — وهو متنفسهم الحر — يشُون أو يوشوشون بوصول نسبة سكان قطر فوق المليوني نسمة وما يسلم به من سبب الزيادة المطردة من تضخم نسبة التوظيف استقداما من خارج قطرحتى لو لم يتم التصريح بها رسميا، وهم ينادون لا بعدم حاجة قطر التوظيف من الخارج فهذا مسلم به في عمر متطلبات التنمية وحجم السكان القليل، بل يطالبون على اقل تقدير بتحقيق العدالة الوظيفية ومبدأ تكافؤ الفرص في أرضهم وهم يعلمون سلفا ان بعض الوافدين من الموظفين في قطر يفصلون وظائف على مقاس زوجاتهم أو إخوانهم أو أنسابهم في ذات المؤسسات أو مؤسسات "جارة "ليكتمل شمل العائلة دون ان تكون المهارات أو الكفاءة الوظيفية هي المعيار مع ما فيها من تعارض أو تضارب المصالح المرفوض في عرف الموارد البشرية. حين يحرم منها القطري وتكون مرسومة سلفا لمن يدير منهم تحت ذريعة "هيد هانتينغ" في التوظيف، وهذا مهم وضعه وتحليله في بحوث المهنة في قطر من قبل المعرض المهني ما دامت تهتم باستراتيجية التنمية الوطنية والتي تشمل البشرية منها، أليست هي من وصفت نفسها بـ "الوطنية"؟. النسخة الرابعة من المعرض هذا العام وضعت رؤية قطر الوطنية 2030 وإستراتيجية التنمية الوطنية لدولة قطر 2011 — 2016 مرتكزات أساسية، وهذا يبشر بان هناك مدى قصير ومدى بعيد لعقد التطوير المهني ايضا. كما يحمد لها توزيع الأجنحة على قطاعات التخصصات موزّعة على 4 قرى .. الحكومية، والطاقة والصناعة، والمال والأعمال،التعليم والصحة والرياضة، على انها لم تكتف بالعرض المهني ولكنها شملت التوجيه والإرشاد المهني. ولان المعرض يهدف الى التخطيط السليم لمستقبل الشباب، ونظرا لخيبة الأمل التي يحملها الكثير بعد ثلاث تجارب لم تحمل حلولا جذرية، ولا دراسة تشخيصية أو تقييميه مستفيضة تفي بأسباب عدم بلوغ البعض غايات المعرض بحصولهم على وظيفة مناسبة لمؤهلاتهم أو تأهيلهم، أو عدم بلوغ المعرض غاياته بالحصول على المهارات والكفاءات المناسبة منهم يقودنا التحليل الى ان الموضوع يشترك فيه الاثنان: أولها مسؤولية المعرض والجهات العارضة، ونجملها في: أولا: العرض العربي النزعة في المظهر والتسويق الفاخر في اقسام الجهات وما توفره من اهداءات تنافسية فاخرة التي لا توازي النزعة المهنية في طريقة عرض الأعمال عالميا، دون النظر في حاجة الشباب المكسور في ان تنفق الجهة العارضة شيئا مما دفع شكليا في موازنة خطط تدريبية أو حتى تأهيلية لاستقطابهم وتطوير مهاراتهم إذا كانت الجهات العارضة تتذرع بعدم أهلية بعضهم أو حتى اضعف الإيمان وهو عدم احترافهم اللغة الانجليزية مثلا والتي غدت "شماعة" كبرى، فتجاوز الحاجز اللغوي أولوية للشباب الذين يعاني الكثير البطالة بسببها، أما ان تعتبر بعض الجهات "الخواجة" على الناطق بالعربية باشا لمجرد انه يتكلم اللغة الانجليزية دون المهارات الأخرى فهذا ظلم. ثانيا: تراكم السير الذاتية والتي تعتبر للجهات المشاركة وربما للمعرض المؤشر الأكبر على النجاح بمفارقة لا تعلن للمجتمع مخرجاتها، في المقابل قلما تعرض لنا قصة نجاح لهذا العرض سنويا بان تبرز شبابا تم استقطابهم من معرض العام الماضي وكانوا حقا كفاءات "خفية" مما يعطي العرض مصداقية اكبر ويحفز الباقين على ارتياد مسيرتهم. ثالثا: عدم تعامل كل الجهات مع الطلبات بمهنية وشفافية، حيث يجب ان تعطي الجهة العارضة الأفراد رقما مرجعيا وترسل له ايميلا خاصا بذلك للمراجعة بحيث تكون هناك آلية شفافة وصادقة للمتابعة كالمتعارف عليه مهنيا في سياسات التوظيف. رابعا: الترغيب بفرص التدريب والتطوير والتوجهات مهم ليس للخريجين فحسب بل للطلاب وهذا جهد يشكر عليه المعرض ولكن التكاملية يجب ان تقود المعرض لاعتبار مجلس التعليم منظما رئيسا ايضا لأنه المسؤول الأول عن طلاب قطر في التعليم الحكومي العام وهم الشريحة الأكبر — والخاسر الأكبر في التوظيف — خصوصا مع ضعف الإرشاد المهني رغم التطوير، لذلك فالمعرض فرصة ليس ليوم مفتوح فحسب، بل لبحث تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال المهم والإفادة منها في التوأمة. خامسا: ضرورة تحفيز الشباب على العمل التقني او الحرفي او الخاص في ان تفتح اذرعه "كنموذج يُحتذى" في احد أجنحة المعرض لدعم مساراته لخدمة التنمية واحتياجاتها خصوصا وان المعرض طرح هذا العام مسابقة مشروع بعنوان "استثمر" لدعوة الشباب القطري لوضع هوية مهنية خاصة بهم. سادساً: ضرورة الترغيب في العمل الإعلامي في الدولة — فأين قطاع الإعلام من تلك القرى؟ وأين الصحف سواء العربية او الانجليزية، وكالة الانباء القطرية تلفزيون وإذاعة قطر، "الجزيرة" أعني كل قطاعات الإعلام. سابعاً: ضرورة أن يوفر المعرض — باعتباره جهة قائمة بذاتها — قاعدة بيانات للمتقدمين للوظائف والدارسين وأولياء الأمور، بل وحتى للموظفين الذين يرغبون في تغيير وظائفهم أو تطويرها، وعن اتجاهات تخصصات الشباب في الدولة، وأهم الوظائف لتنمية قطر وأعلاها تخصصا أو طلباً، والتخصصات الشاغرة أو المطلوبة في خطط خمسية بحيث تعمم أولا على المؤسسات التعليمية الثانوية والعليا وترصد لها خطط التوجيه وعلى كل مراكز ومؤسسات الدولة وليست قطاعات النفط والغاز فقط، لترصد لها خطط الابتعاث او التدريب. وعلى الجانب الآخر: يبقى ان نقول مقولة حق، أين دور كثير من الشباب أيضا من تطوير أنفسهم والسهر على ذاتهم؟ ولماذا يكتفي البعض منهم بالثانوية العامة طلبا لوظائف مكتبية وسكرتارية؟ فمن كان يظن منهم ان المهنة هبة فسيظل عاطلا طوال عمره لأن المهنة ليست منحة، فواجب الدولة ان تحقق فرص العمل ولكن ليس واجبها أن تضعها لقمة سائغة في فم المتعطش، بل هي مخاض إعداد وتأهيل الذات الذي لا يبدأ من تخرج الطالب وحصوله على الشهادة بل تبدأ مبكرا وقبل ذلك منذ مراحل التعليم المدرسي. وتجدر الإشارة إلى أنه على الاعلام القيام بتغطيات متوازنة لا ان يعتمد على العناوين البراقة المثيرة: "حقق نجاحا بـ 100 % " "وان الشباب يشكرون ويشيدون بنجاح... الخ." بل لا بد من عرض الرأي والرأي الآخر بموضوعية ومهنية في الطرح لأنه مؤشر رئيسي للرأي والتحليل والتقييم فالمعرض المهني ليس حملة إعلامية لمنتج أو فكرة لكي يتهافت الناس عليه، بل هو هدف أسمى للتنمية خصوصاً وان الوظيفة أيضا حاجة إنسانية ملحة للبقاء. وأخيرا: المعرض المهني ليس معرضا تجاريا او سوقا حرة لا للطالبين ولا للعارضين، ولا كنيسة توزع صكوك الغفران ذرا للرماد في العيون وتخفيفا للتنفيس الشعبي الشبابي الحانق. إنه المساحة العلمية المهنية الواقعية والاستشرافية أيضا المبنية على خطط فاعلة ملموسة تستوعب النقلات العلمية والمهنية بين الأجيال والشباب التي لم تحكم عدم تكافؤ فرصها لهم في عمر قطر الحالي "العقول" بقدر ما حكمتها مرحلة من مراحل عدم تكافؤ فرص تطور التعليم في قطر بالتوازي والتساوي وخسارة الجيل الانتقالي فيها، مع تسليمنا بعدم تساوي قدرات الالتحاق بالتعليم الاحترافي المعايير والخاص العالمي من عدمه لدى الأسر "أعني ماديا". فالجيل المنتج من الشباب الحكومي التعليمي أيضا يجب ان يُستوعَب — فهو الشريحة الأكبر — لان المحصلة النهائية والهدف الأسمى تنمية قطر الوطنية التي يجب الا يكون هدفها ان تطول كل شيء في مناحيه البنيوية المادية والعمرانية، وتنسى أهمه وهو تنمية المواطن القطري الذي هو أساس التنمية لا الآنية بل المستدامة. شكر وتقدير: لا يفوتني في هذا المقام ان ارفع الشكر والتقدير لسعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية والى إدارة الدعوة في الوزارة على حسن تفاعلهم مع موضوع الطرح في مداد القلم الأسبوع الماضي، وفق الله الوزارة والقائمين على الشؤون الإسلامية في جهودهم لخدمة الدين والمجتمع. كاتبة وإعلامية قطرية Twitter: @medad_alqalam medad_alqalam @ yahoo.com