18 سبتمبر 2025

تسجيل

الفرق بين هيبة "الدولة" وهيبة "الحكومة"

24 أبريل 2011

للدولة – أي دولة – (هيبة) حقيقية لا شك فيها، تتمثل في قدرتها على بسط سلطانها على حدودها، وحماية شعبها داخل أرضها وخارجها، ولا يمكن لأي أحد أن يعترض على تقديس هيبة الدولة لأنها قوام العقد الاجتماعي بين الأفراد والنظام.أما الحكومات فلها (سطوة) ولا يصح أن يكون لها (هيبة) لأن أمين الشرطة المرتشي في أكمنة المرور هو الحكومة، والكاتب الصغير المرتشي في أي مصلحة حكومية هو الحكومة، والضابط المزوِّر، والمدير الموالس، كل أولئك حكومة قد تكون لهم (سطوة) ولا يصح أن يكون لهم (هيبة).والخلط بين مفهوم الحكومة (الوزراء وأتباعهم) ومفهوم الدولة (الدستور والمؤسسات) هو الذي تسبب في تداعيات كثيرة منذ ثورة يناير حتى اليوم.وللحكومة أن تسوس الشعب كما تحب، ولها أن تتخذ من القرارات ما تشاء في سرية تامة تليق بما تظنه (هيبة) للحكومة، ولها أن تتمسك بإنفاذ قراراتها طوعا أو كرها لكيلا تتأثر هيبتها لا سمح الله، فهيبة الحكومة أهم عندها من حاجات الشعب وميوله وحقوقه!! ألا يكفي أن تبدأ الحكومة استعراض جبروتها وقسوتها وعنفها وقراراتها المقدسة بعبارات بلاستيكية ممجوجة مكررة خلاصتها [أن الحكومة تنظر بعين التقدير إلى حقوق الشعب في التظاهر السلمي وإبداء رأيه المشروع إلا أن.........] ويأتي بعد (إلا أن) ما يعصف بما قبلها عصفا، ويقصفه قصفا، وهو ما حدث في أزمة محافظ قنا المثور ضده والمرفوض شعبيا اللواء عماد ميخائيل.فالحكومة – في إدارتها لهذه الأزمة – تمسكت بكل غباء الحكومة الذكية البائدة، وظهر ذلك في ثلاثة توجهات هي: الأول: حين وضعت حكومة الثورة الوليدة مشاعر محافظة بأكملها من رعاياها في كفة ووضعت ما تظنه (هيبة) في كفة مقابلة!! وانحازت لهيبتها ضد رعاياها. في سوء تقدير غريب لما قد يترتب على ذلك من عصف بأي ثقة كنا نتمى أن تنمو بين الحكام والمحكومين.الثاني: حين سمحت حكومة الثورة الوليدة لبعض التغطيات الإعلامية أن تركز على البعد العقائدي في التعيين، وفي التظاهر تحت شعارات معينة، متجاهلة أن النفخ في هذه النار قد يولِّد – ولاسيَّما في الصعيد – فِتناً طائفية لا تستطيع أية حكومة (مهما تكن قوتها) السيطرة عليها.الثالث: حين كررت حكومة الثورة الوليدة للمرة الثانية إرسال رجل دين هو الشيخ محمد حسان لحل الأزمة، وكانت من قبل قد أرسلته إلى قرية صول التي أحرقت بها كنيسة قبل شهر. والحكومة بهذا التصرف تقحم الدين في السياسة بصورة تشجع بقية التيارات الدينية على منازعة التيار السلفي – الذي يمثله الشيخ حسان – في التدخل في أي أزمات قادمة، كما سيفتح الباب أمام تساؤلات أخرى عما إذا كانت حكومة الثورة الوليدة تعتزم توسيط الشيخ حسان مستقبلا في حل قضية تصدير الغاز لإسرائيل؟ زحل مشكلة نقص أنابيب الغاز في التموين؟. إلخوقد سبق أن وجهت رسالة مفتوحة لدولة الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء، من هنا على صفحات جريدة (الدستور)، كان عنوانها [يا رئيس الوزراء القادم من التحرير: ابدأ بالجامعات ]، طالبته فيها بأن يعتبر إصلاح الجامعات أول خطوة في مسيرة الإصلاح المنوط به بوصفه رئيسا لحكومة جاءت استجابة لرغبة الثورة الشعبية المجيدة، وكنت حسن الظن بالرجل الذي عانى الإقصاء والتهميش في عهد مبارك، وكنت حسن الظن بمكتبه الذي ينقل له من المنشور في الصحف ما يراه مهما من مطالب باعتبار هذه المطالب عاجلة وملحة كضرورة لبناء الثقة بين الشعب والسلطات الحاكمة، ولكن الذي حدث أنني لم أتلق ردا من مكتب رئيس الوزراء القادم من التحرير رئيسا لحكومة جاءت استجابة لرغبة الثورة الشعبية المجيدة!! ووضح من تصريحات الحكومة أنها لا ترى في إصلاح الجامعات أولوية، بل هي ترى أن لكل أجل كتابا، وأن الآخرة خير من الأولى، وأن الصابرين سيوفَّون أجرهم بغير حساب!!ما الذي تجاهلته حكومتكم يا رئيس الوزراء؟: إن التخبط السابق شرحه قد يجعل الشعب المصري يعيد النظر في ثقته بحكومتكم يا دكتور عصام، فالذي تجاهلته حكومتكم يا رئيس الوزراء أسهل كثيرا مما ارتكبته، وأقرب للمنطق، وأنسب لروح الثورة التي جاءت بكم، إن الذي تجاهلته حكومتكم هو: لماذا اختارت المحافظين بالأسلوب نفسه الذي كان يسير عليه النظام البائد ؟ الذي تجاهلته حكومتكم يا سيدي هو: لماذا لم تلجأ للانتخاب في وظائف المحافظين وسكرتيري العموم؟ هل هي معضلة قانونية يعجز (جَمَلُكم) البارك عن حلها؟ أليس في مصر قانونيون آخرون قادرون على سن قانون من صفحة واحدة ينظم طريقة انتخاب المحافظين؟ خذها نصيحة ولا تستكبر يا دولة رئيس الوزراء الموقر: اعطِ الشعب ما يستحقه من احترام لمشاعره وحقوقه، يُعطِك فوق ما تستحق من حبه وثقته وولائه. ولكم فيمن يقبعون في طرة حاليا [ممن أذلوا الشعب وتجاهلوه وعزلوه وحكموه بالقهر] عبرة وعظة، وثق يا سيدي أن تراجع الحكومة عن قرار ثبت لها خطأ اتخاذه لا يخل بهيبتها، بل يزيدها احتراما وتقديرا عند رعاياها. ولا تصدق من يخوِّفونك من الانتخابات فهولاء مَرَدوا على النفاق والشقاق وسوء الأخلاق ولا أمل في إصلاح عقولهم إلا في أحضان طرة. فأبعد عنهم. والله يوفقك. Mostafaragab2gmail.com