29 سبتمبر 2025
تسجيللاريب أن إقامة العدل وأداء الحقوق لأهلها من أسباب بقاء الدول وتفوقها وغلبتها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة (الحسبة): الجزاء في الدنيا متفق عليه أهل الأرض، فإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى: "الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة". ولما سمع عمرو بن العاص المستوردَ بن شدادَ يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: تقوم الساعة والروم أكثر الناس. قال له عمرو: أبصر ما تقول؟ فقال المستورد: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمرو: لئن قلت ذلك؛ إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك. رواه مسلم فكأنَّ عمراً رضي الله عنه يحكم بأن هذه الخصال هي السبب في بقائهم وكثرتهم، وفي المقابل يكون الظلم وتضييع الأمانة وإهدار الحقوق هي معالم الخراب والهزيمة، وهذا أصل مقرر في علم الاجتماع، وقد عقد له ابن خلدون في مقدمته فصلا بعنوان: (الظلم مؤذن بخراب العمران) والمقصود أن الأمم إن توفرت على معالم قيام الدول ونهضتها أقامها الله وجازاها بجنس عملها، ولا يظلم ربك أحدا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها. رواه مسلم. فالله تعالى يعطيهم في الدنيا ما يستحقونه باعتبار ما عندهم من خير وما يبذلونه من حق. فهذا جانب، وهناك جانب آخر لا يصح إغفاله في هذه القضية، وهو أن الله تعالى قد ينصر أمة كافرة على أمة مسلمة؛ عقوبة لها على معاصيها، وشاهد هذا ما حصل في غزوة أحد، كما قال تعالى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ {آل عمران: 152} (منقــــــــــــــول) ومن المؤلم عندما يرى المواطن البسيط ثروات أوطانه تبدّد وتُصرف يمنةً ويسرة ويتولاها سفهاء وسُراق المال العام وهو يرى بأم عينه كيف هي أوضاعهم وأوضاع المقربين منهم وفي المقابل لا جدوى من المطالبات والمناشدات لأنها لا تُجدي مع من لا يخاف الله في عباده، فطالما أنه في مأمن بظنه عن زوال هذه النعمة التي أنعمها الله عليه ولا خوف عليه من المراقبة والمحاسبة فهو في أمان واستقرار، وما عَلِم المسكين بأن الظالم له يوم لا مفر منه إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة وليس ذلك ببعيد عليه ولا مفر له من الموت ! وعلى ذكر المراقبة والمحاسبة والتي للأسف نفتقدها في وقتنا الحاضر، يتحسر المواطن عندما يرى بأم عينه الموارد والميزانيات التي تصرفها الدولة على قطاعات الصحة والتعليم وسائر الخدمات في الدولة ولكن " تشلّها " الإجراءات والأنظمة والتعامل، كنت قبل أيام في مراجعة لابني لمستشفى العظام والمفاصل وكان هذا الموعد مهما للغاية على اعتبار أن خدمات المواعيد ومعاينة المرضى متوقفة منذ بدء جائحة كورونا قبل سنتين أو أكثر، فكان من الضروري الالتقاء بأحد أخصائيي العظام والمفاصل لمعاينة حالة ابني التي تحتاج لمعاينة بعد طول انتظار، وبعد جهد جهيد تم تحديد الموعد بعد أشهر وعند حضورنا للقسم المعني في المستشفى تفاجأنا بعدد كبير من المراجعين الذين تكدّست بهم قاعة الانتظار والممرات دون أن نلحظ دخول حالات، وكنّا ملتزمين باشتراطاتهم بالحضور قبل الموعد بنصف ساعة إلا أننا انتظرنا لأكثر من ساعتين دون أن تتغير أرقام الدخول على الأطباء، وعند سؤالي لأكثر من مرّة لموظفة الاستقبال أكدت بأنها ليس بيدها أي حل، الأمر الذي جعلنا نعود أدراجنا دون أن نتمكن من الدخول على الطبيب ولم يسمحوا لنا حتى أن ندخل عليه لأنه مشغول بحالات أخرى لها الأولوية، والسؤال هنا: أليس ضياع الوقت وإهداره يعتبر إضاعة للمال والجهد وترسيخ للفوضى وسوء الإدارة ؟ ثم أليس للمواطن الحق بأن تكون له أولوية بالنظر إلى العدد الكبير من المراجعين الذي يراجعون نفس المستشفى ؟ أسئلة كثيرة حريٌ بنا أن نطرحها ليس على هذا المستشفى والقائمين عليه فقط بل قد يكون هناك من القطاعات والجهات ما هو أدهى وأمر !! فاصلة أخيرة عندما تُخصص الدولة ميزانية طائلة على الصحة والتعليم ونجد بأن البيروقراطية والفوضى والمحسوبية هي السائدة عليها فاعلم أننا بحاجة لوقفة حقيقية " تنسف " هذه الممارسات وبأن من يقع عليه الحِمْلُ ليس كفؤاً لتولي هذه المسئولية !! تعبنا من الشعارات والشو والكلام الزايد والنتيجة "مكانك سر" ! [email protected]