17 سبتمبر 2025

تسجيل

الدولة وآليات التحفيز

24 مارس 2019

التركيز على التقنيات العالية لتحقيق الاكتفاء الذاتي التحفيز آلية طبيعية تسعى إليها كل الكائنات بلا استثناء، فالسكر آلية تحفيز تدفع الكائنات للأكل كما أنها تجذب الحشرات أيضا، وفي عالم البشر التحفيز هو المحرك لطاقات الإنسان بشكل عام، ومن هنا فإننا نجد هذه الآلية موجودة في كل العلوم بلا استثناء، لكننا سنأخذها من وجهة اقتصادية مجتمعية، لنثير فيها أفكارا حول الاستثمار الأمثل لآليات التحفيز في الدولة لتحقيق الرؤية الوطنية عشرين ثلاثين. إن ما دفعني لكتابة هذا الموضوع هو تكريم سمو أمير البلاد المفدى للمتميزين علميا، وتخصيص يوم في العام للاحتفاء بالطلبة والخريجين المتفوقين، و هي رمزية تحفيزية كانت مفقودة وأصبحت اليوم جزءا من منظومة تحفيزية داعمة لمؤسساتنا التعليمية والبحثيه والمدخل الأهم لتحقيق رؤية قطر 2030. إن التحفيز الآن بدأ يتخذ شكل منظومة متكاملة تبدأ من التعليم في مرحلة الطفولة، ثم تكريم المبدعين في كل المجالات، والاحتفاء بالمبادرات النوعية التي تقدم إنجازا متميزا لقطر وللأمة العربية والإسلامية..وهذا يجعلنا نبحث في أدوات التحفيز ومظاهرها وآثارها.. ولنا أن نعترف أننا قبل الحصار كانت آليات التحفيز أقل، وربما كان الإحساس بالخطر هو حافز جعل الجميع يبحث عن التميز والتغلب على ذلك الحصار الجائر، فبات الدولة تنتج كثيرا من غذائها، وحدثت في ذلك طفرة جعلت قطر تكتفي ذاتيا في بعض السلع الاستراتيجية، وذلك بدافع ذاتي مجتمعي وبتحفيز من الدولة التي توفر الإمكانات وتشجع أصحاب المزارع، لكن هذا التحفيز ينبغي أن يكون منضبطا وله حدود، فنحن دولة ليست زراعية، وتكلفة الزراعة عندنا عالية، ومن ثم ينبغي أن نرشد في هذا المجال بالحد الذي يعصمنا من التقلبات السياسية ..فمهما زاد إنتاجنا الزراعي والحيواني فإن السوق لن يستوعب هذا الإنتاج الذي قد تكون تكلفته أعلى... تكلفته أعلى من المناطق المهيأة للزراعة ، ولكن التقدم العلمي و التقني هو الداعم الحقيقي لقدراتنا على الزراعة و منافسة المنتجات الزراعية التي تقوم على العمليات التقليديه، لذلك ينبغي أن تكون هناك آليات تحفيز للتركيز على التقنيات العالية واستخداماتها في تحقيق غايتنا من الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، فقبل سنين معدودة لم تكن الزراعة قطاعا يمكن الاعتماد عليه خاصة من الناحية العملية والاقتصادية، ولكن التطورات المتلاحقة والمتسارعة والحلول المتطورة في القطاع الزراعي دفعت لإعادة التفكير والحسابات وليس من المستبعد أن تتوفق على الأساليب التقليدية في الزراعة. ومن مظاهر التحفيز أيضا في الدولة منظومة التشريعات التي جعلت غير القطريين يتملكون أو يحصلون على حق انتفاع، وهذا التحفيز سيحرك السوق بشكل كبير، وسيؤدي إلى ولاء من المقيم للبلد الذي يتملك فيه عقارا؛ ومن ثم ستزيد أفكاره وإبداعاته ويعود في النهاية على الوطن، وهذا سيشجع المقيم على الاستثمار داخل قطر، ومن ثم لن تخرج الفوائض المالية للمقيمين من قطر طالما أنهم يستطيعون استثمارها بطريقة آمنة. لكن هذه الإجراءات تحتاج إلى مزيد من الانفتاح، بحيث يتاح للموظف أن يتملك أسهما في المؤسسة التي ينتمي إليها، فلا يعمل بحافز الوظيفة، بل بحافز صاحب رأس المال، ولنا في شركات جوجل وفيس بوك وأمازون مثل واضح على ذلك فهذه الشركات قدمت نموذجا نوعيا في الإدارة فجعلت الموظفين مساهمين وملاكا، فكان الإبداع والنجاج وارتفاع القيمة السوقية لهذه الشركات التي تكسب أرباحا طائلة تعود في النهاية على الموظفين الذين باتوا في الوقت نفسه مستثمرين. كذلك عملت الدولة على منظومة تحفيز في مؤسسات الدولة العامة والخاصة، والدولة في ذلك اجتهدت في خلق نوع من المثالية التي لم ننشدها حتى الآن، فكثير من هذه المنظومات حققت المظهر ولم تصل إلى الجوهر، وقد أشار صاحب السمو أمير البلاد المفدى في خطابه أمام مجلس الشورى في دورته السابعة والأربعين إلى ذلك، فأكد على ضرورة مراعاة الحضور والانصراف، كما شدد على ضرورة الاجتهاد في الإنتاج، لكن الملاحظ أن كثيرا من مؤسساتنا تلتزم بالدوام الرسمي، دون النظر إلى مضمون الإنتاج، وهذا في حد ذاته يضع عبئا على الدولة والمجتمع، فالموظف الذي لا ينتج لا يكلف الدولة راتبه فقط، بل يكلفها ازدحاما في الشوارع واستهلاكا في البنية الأساسية، وهذا في النهاية يعود بخسارة كبرى، وأمثال هؤلاء إما أن يدربوا ويراقبوا على الارتقاء، أو يجلسوا في بيوتهم وتصرف لهم معاشات رمزية تكاد تكفيهم، حتى يجتهدوا في حياتهم الخاصة ويذهبوا للعمل والإنتاج. كذلك تحفز الدولة المواطنين على تولي المسؤولية، وهناك شباب استثمروا ذلك جيدا وتعلموا وصاروا مدربين بالفعل، غير أن منهم من تولى مسؤولية إدارة أو قسم أو حتى شركة وهو غير مؤهل وليس خبيرا، وهذا يفقد الرؤية والتخطيط السليم، ومن ثم يعود بالخسارة على الوطن، وختاما تلك كانت ملاحظات على أدوات التحفيز في الدولة التي تحتاج إلى دراسة أكثر عمقا لتعظيم الموارد المتاحة. [email protected]