23 سبتمبر 2025

تسجيل

مذبحة المسجدين ما بين العاطفة والتعصب العرقي

24 مارس 2019

إنها الإنسانية بكل ما تحمله من شفافية وتسامح ورحمة جسدتها رئيسة وزراء نيوزيلندا في تفاعلها مع الحدث الإجرامي الإرهابي الذي قام به سفاح نيوزيلندا في مسجد النور وراح ضحيته أكثر من 50 شهيداً من مختلف الجنسيات، تعايشت مع الحدث بدموع حارقة وأحضان مواسية، المفارقة الضحايا مسلمون لذلك شدّت لها أنظار العالم بالاستغراب والتعجب لهذا السلوك الأخلاقي الراقي في كيفية التعامل مع الآخر والتسامح مع الآخر، وإن اختلفت المذاهب في تطويق أحزانه والتخفيف من آلامه، ومشاركتها مراسم الدفن والصلاة، لتضع بهذا التصرف الأخلاقي الراقي حدًّا للعنصرية البغيضة والاستعلاء العرقي، والكراهية ضد الإسلام والمسلمين، وبدأت بوادر التعصب للعرق الأبيض والشعوبية تظهر في بعض الدول الغربية، وأكدّت أن الإرهاب قائم في أي مكان أو زمان لا يجسده جنس أو عقيدة أو مذهب،، يجب محاربته وانتزاعه ومعاقبة فاعليه، ووصفته بالعمل الإرهابي وبكل جرأة، وأنه عمل مخطط مستندة إلى ما صرح به الإرهابي المتهم بقوله " نحن قادمون إلى القسطنطينية وسنهدم كل المساجد ". …. هي الإنسانية الحقة التي تنبع من شفافية القلب ويقينه بأن الإنسان يجب أن يحترم ويقدر ويكرم، تلك الصفات الإنسانية التي يأمرنا ديننا الحنيف بالتحليّ والتخلق بها، أليس هو القائل صلى الله عليه وسلم " إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ". ثم هي صورة مجسدة لواقع مؤلم طالما عشنا وتيرته بكل ألم ومازلنا نعيشه كشعوب عربية إسلامية في وجود الصراعات والنزاعات الإنسانية والحروب القائمة، وما تخلفه من جرائم بشعة في حق الإنسان تمر علينا كالبرق الخاطف لاتمس فينا شعرة، يوميا ونحن نرى مشاهد لأشلاء بشرية متناثرة وجثامين لرجال وأطفال ونساء ممتدة وملطخة بالدماء تنقلها لنا القنوات الإعلامية نتيجة الحروب القائمة في أوطانها أو نتيجة أعمال إرهابية جماعية أو فردية جنونية تُمارس في حق الإنسان العربي المسلم بلا ذنب ولا خطيئة فقط لأنه مسلم، وتغلق ملفاتها دون أن تحرك في قلوبنا ساكنا، "من اليمن إلى العراق ومن سوريا إلى فلسطين " ترفضها كل الأحكام والشرائع والقوانين لبشاعتها ولكن أصبحت قلوبنا كما قال تعالى: " كالحجارةِ أو أشّد قسوة ". ..هل سمعنا عن نظام عربي أو إسلامي لامس قلبه الرحمة ودمعت عيناه وهو يرى جثث الأطفال ممددّة، أو مع آخر يبكي ببكاء طفل مسلم ألمّ به الجوع والمرض والعطش. .. وهل وجدنا من يقاطع ويعاقب الأيادي الملوثة بدماء المسلمين الأبرياء ويتخذ إجراءات صارمة تجاه الحدث. .. وهل هناك من يعي ويدرك أن مثل هذه الجرائم في بيوت الله حرب على الإسلام كما أدركت رئيسة وزراء نيوزيلندا التي حملت شعار " هم نحن.. ونحن واحد ". إن العنصرية والكراهية ضد الإسلام والمسلمين القائمة هما الدافع وراء الحدث الإجرامي وفِي دولة تنشد السلام والتسامح والحب والاحترام للآخر، وفِي بيت الله مقر العبادة والطاعة والاختلاء مع الله، تجاوزت كل المفاهيم المغلوطة التي يردّدها المعادون للدين الإسلامي، وإسناد صفة الإرهاب لكل مسلم، كما هو إسناد "الاختلال العقلي" لكل مجرم بعد كل عملية إجرامية ضد المسلمين لتضليل الرأي العام. … إنه أسوأ يوم في تاريخ نيوزيلندا بتفاصيله المرعبة الإجرامية التي لا تعرف تلك المنطقة الهادئة الإرهاب، لكنه يوم لا ينسى في تاريخنا الإسلامي، فمن أقصى الكرة الأرضية تفاعل المسلمون مع الحدث الإرهابي ككتلة واحدة بالاستنكار والبكاء لا يعرفون جنسياتهم ولاعرقهم ولكنها الهوية الإسلامية التي تعيش في الضمائر المسلمة جسّدت هذا الشعور امتثالاً لقوله تعالى: " إنما المؤمنون أخوة " كما هو إعلان نيوزيلندا تخصيصها يوم الجمعة لارتداء النساء الحجاب الإسلامي تضامنا مع المسلمين، ونقل الصلاة على الهواء مباشرة،، وإعلان أكثر من350 إسلامهم. إنها ثقافة التسامح مع الأديان الأخرى في حضور الفكر الواعي الذي يُؤْمِن بضرورة احترام الإنسان ووجوده، وعلى النقيض من ذلك هناك قوى وأنظمة في العالم ترفع شعار نشر ثقافة الشر وتوسعة سياسة الفوضى، ومازالت مستمرة في تسيير هذا الشعار، كما هي جرائم البوذيين في بورما وحرق الأطفال ورميهم في البحار والأنهار، ومجازر الأسد وعصابته في قصف المئات من الأطفال بالسلاح الكيماوي، ناهيك عن المجازر الإسرائيلية وحليفتها أمريكا في فلسطين المحتلة وغيرها التي تقابلها مع الأسف الأنظمة الإسلامية العربية بالمصافحة والمشاركة والاستقبال في أوطانها. كما كان ردود بعضها لمذبحة مسجد النور ضعيفة لاتليق بحجم قساوة وجرم الحدث. فمتى تحرك مثل هذه المذابح والجرائم ضد المسلمين والإسلام ضمائرهم ومشاعرهم ونخوتهم، كما حرّكت مذبحة جامع النور في نيوزيلندا ضمير رئيسة وزرائهم وشعبها. [email protected]