10 سبتمبر 2025
تسجيلحتى هذا اليوم تعمل الفرق الحكومية المصرية على الترتيبات الأخيرة لمؤتمر القمة العربي الذي سيعقد في شرم الشيخ السبت القادم، والموعود المنتظر فصله عن المؤتمر الاقتصادي لدعم النظام المصري أسبوعان مضيا، حيث صرحت المصادر الرسمية المصرية أن مؤتمر القمة يأتي عقب نجاح المؤتمر الاقتصادي الذي أعلن فيه عن عشرات المليارات من الدولارات لدعم الاقتصاد المصري، ولكن يسأل سائل: ما هو سرّ هذا الإنكباب غير المسبوق على “مزاد المساعدات النقدية “ للنظام المصري من قبل بنوك ومؤسسات نقدية عالمية، فضلا عن تقديم تبرعات بعشرات المليارات من الدول الخليجية الشقيقة.قبل أسابيع تسربت تسجيلات صوتية للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ومجموعة من مساعديه قبل أن يترشح للرئاسة وبعيد ترشحه، وظهر فيها مدى استخفافه وطاقمه للدول والقيادات الخليجية، وأثارت تلك التسريبات ضجة كبيرة ولا شك أنها وجدت محلا من الأسى في قلوب الأشقاء، والغريب أنهم “مجموعة السيسي القابضة” قد كانوا وعلى طاولة حوار مع فنجان قهوة يحصون كم من المليارات قد تحصلوا عليها من الدعم الخليجي، فكانت ولا حسد تقارب الثلاثين مليار دولار، وتخلل حديث “ المقاصة البنكية” شتائم تحاكي أبناء الشوارع طالت وزير المالية الذي لم يخرج المليار الثامن، وتغلفت تلك الجلسة بأحاديث أشبه ما تكون حديث بأحاديث عصابات النصب والاحتيال، ومع هذا مرت القصة كمرور دخان البخور فوق رؤوس الضحايا الكرماء، ثم جاءوا إلى شرم ليقدموا المليارات.مئة وثمانون مليار دولار أعلن عن تقديمها لمصر ونحن نبارك هذا الدعم إن كان للشعب حصة وخيرا فيه، ولكن المؤثر أن الملك عبدالله الثاني كان حاضرا في ذلك المؤتمر وبمعيته عددا من المسؤولين الأردنيين وقد رأوا بأعينهم وسمعوا ذلك الكرم غير المسبوق الذي يقدم لدعم القطاع السياحي وبناء عاصمة جديدة هي الرابعة بعد القاهرة القديمة، فيما الأردن يعاني من الضنك الشديد والشح في الموارد المالية ومقياس غلاء المعيشة وصل معدلات قياسية والبطالة ارتفعت إلى ما يقارب 25 بالمائة وأسعار الطاقة تجاوزت حدود المعقول وخدمة الدين الخارجي تضخمت والمديونية قفزت حاجز 30 مليار دولار، وأصبح ربع عدد سكان الأردن من الأخوة اللاجئين السوريين الذين توقفت عنهم المساعدات أو خفضت إلى الربع بعد اربع سنوات على الأراضي الأردنية، ومع هذا لم يفكر أحد من الأِشقاء بتقديم الدعم المناسب للأردن لا بالملايين ولا بالمليارات، حتى مخصصات الصندوق الخليجي التي قدمت كل دولة شقيقة مليار دولار كانت مشروطة الإنفاق على المشاريع غير المنتجة وتحديدا للبنى التحتية كالشوارع والصرف الصحي. كل هذا يجري ولم يسمع أحد من أي مسؤول أردني أنه سخر أو استخف أو غمز من قناة الأشقاء في الخليج، بل إن الشيخ زكي بن أرشيد القيادي في جماعة الإخوان المسلمين لا يزال في السجن بعد محاكمته بتهمة الإساءة لدولة الإمارات العربية المتحدة عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وتمنع السلطات الأردنية كذلك أي فعالية أو مادة تتضمن إساءة لأي دولة شقيقة خصوصا دول الخليج العربي التي يعتبرها الأردن عمقا شعبيا وسياسيا ويؤكد على ديمومة ومتانة العلاقات وصفائها بين الجميع، مقابل التهديد الكبير لاستقرار المنطقة ومستقبل الكيان العربي برمته، رغم إغماض أعين المسؤولين والقيادات عن الحقيقة المروعة التي تنتظر الجميع بعد الانتهاء من معارك سوريا والعراق واليمن.ما يثير العجب هو الكيل بمكاييل النفاق والتزلف الذي هو أقرب إلى الخوف لا الاحترام والمحبة عندما يتعلق الأمر بالنظام المصري الجديد، فكلنا يعرف أن مصر هي دولة مهمة على الخارطة السياسية العربية وهي دولة محورية ولكنها تعاني من الإقصاء السياسي كسياسة متبعة منذ انقلب العسكر، ورغم الموقع وعدد السكان والدولة العميقة فإن الاستقرار لم يتحقق حتى اليوم، بل تضخم التهديد والفوضى فسيناء باتت ذراعا ضاربا لتنظيم داعش، وليبيا تفجر الوضع فيها عقب وصول السيسي إلى سدة الحكم وقطاع غزة يعاني من الموت البطيء جراء الحصار، والقيادة المصرية نأت بنفسها عما يحدث في سوريا والعراق، وإيران شاركت في المؤتمر الاقتصادي، والخلاصة أن مصر الجديدة هي ذاتها مصر القديمة لن تكون عمقا استراتيجيا ولا أمنيا للخليج العربي لبعديها الجغرافي والديمغرافي.لذا كان من الأوجب والأقرب مصلحة هو تقديم جزء من الدعم الملياري إلى الأردن للتخفيف عما يعانيه من ضغوط اقتصادية وأمنية هائلة، فسوريا على حدوده الطويلة معها تشكل خطرا قريب جدا لأقرب حدود شرقية معه، والعراق الذي بات ساحة للقوة الإيرانية والمليشيا الطائفية هو الآخر بات شبحا يهدد المنفذ التصديري الوحيد للمنتجات الزراعية الأردنية وخدمات نقل البضائع من ميناء العقبة إلى العراق، ما اضطر القيادة الأردنية إلى فتح “قنوات استكشاف” جديدة مع الطرف الإيراني وحلفائهم في العراق، رغم إننا سمعنا من كبار المسؤولين في الإدارة الأردنية حتى قبل شهرين الجملة التالية: علاقتنا مع الأشقاء في الخليج لا تحددها المصالح ولا تهددها الاختلافات، وإيران ليست في قاموس علاقاتنا خارج المنظومة العربية تحت أي ظرف، إذن ما الذي تغير في الأردن؟ أم إن صاحب الحاجة أرعن، وما الذي يفكر به الأشقاء في الخليج وهم يرون الصالح والطالح، أم إن عين الرضا عن كل عيب كليلة؟