15 سبتمبر 2025
تسجيليزداد الوضع في ليبيا تعقيداً بعد القصف الأمريكي - الغربي لقوات القذافي، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن 1973، الأمر الذي رحّب به المجلس الوطني الانتقالي الليبي، الذي يعتبر بمثابة قيادة الثوار. كنا نتمنى لو أخذت الثورة الليبية مسار شقيقتيها في تونس ومصر، أي بقيت ثورة في الإطار السلمي (وهي ابتدأت كذلك)، ودون تدخل الجيش فيها، لكن القذافي لم يعتبرها حركة جماهيرية واسعة، بل تعامل معها كعصابة لصوص أو قطّاع طرق، وامتداداً لتنظيم القاعدة. القذافي هو من حرص على قصف شعبه بالطيران والبوارج الحربية والدبابات، وهو ما أدّى إلى زيادة حجم الانشقاقات في الجيش الليبي، لكنه ليس بالحجم الذي أثّر على قدرات الجيش التابع للقذافي، الذي يمتلك قوة نيران هائلة، مما أدّى إلى حرص الثوار على التسلح، والاستعانة بالقادة وبالقطاعات العسكرية التي انضمت للثورة. الليبيون في بداية ثورتهم، حرصوا تماماً على التأكيد في كل يوم وفي كل ساعة، على عدم التدخل الأجنبي فيها، لكن مسار الأمور فيما بعد جعلهم يغيرون مواقفهم، لذا كان قرار الجامعة العربية بالطلب من مجلس الأمن إصدار قرار بفرض الحظر الجوي على طائرات القذافي. المراقب العربي لما يجري في ليبيا، بدا ويبدو كمن يبتلع السكين، فإن قام بتأييد قرار مجلس الأمن فهو كمن يرحب بالتدخل الأجنبي، وإن عارض هذا القرار، فهو كمن يؤيد قوات القذافي في سحق الثورة. لهذا قلنا إن التدخل في ليبيا أدخل القضية برمتها في طور من التعقيد الشديد. موضوعياً، إن من يؤيد قرار فرض الحظر، لابد وأن يقبل أيضاً بتداعياته، فعملياً لو جرى فقط فرض الحظر الجوي بحذافيره، دون اتخاذ خطوات قصف أخرى للقوات البرية التابعة للقذافي، كما حدث على أطراف بنغازي، فإن قوات العقيد لن تتأثر كثيراً، فهي تمتلك البدائل المتمثلة في القوات البرية بمئات الدبابات والمدافع، إضافة إلى القوات البحرية التي تمتلك البوارج، والسلاحان الأخيران قادران على تمكين قوات العقيد من إحراز النصر على الثوار، والتنكيل بهم بضراوة فيما بعد. من ناحية ثانية مجلس الأمن والدول الغربية، ليست حريصة على قضايا الشعوب العربية، والتحررية منها بوجه خاص، وبالأمس عطّلت أمريكا مشروع قرار عربي يدين الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، كما أن الاحتلال الأمريكي - الغربي للعراق تسبب بمقتل ما يزيد على المليون عراقي، وتهجير ملايين من بلدهم، وليس مصادفة أن يتزامن وقت القصف للمواقع الليبية في 19 مارس 2011، في نفس يوم بدء قصف العراق من عام 2003، كخطوة أولى على طريق احتلاله. لذا وبموضوعية نقول: إن ردود الفعل الغربية على ما يجري من اضطهاد للشعوب العربية على أيدي حكوماتها، نابعة من المصالح التي تجنيها من البلد العربي المنوي التدخل فيه، فليبيا لو لم تمتلك النفط الذي يغذي شريان الحياة في أوروبا (تحديداً) وفي الولايات المتحدة، لما حرصت هذه الدول على التدخل فيها. الدول الغربية هي مع تأمين مصالحها، فالقذافي كان إرهابياً في مرحلة ما وبعد إعادة تأهيله (بعد مليارات تسوية لوكربي وفك المنشآت النووية)، أصبح مقبولاً من الغرب. لكنه وفقاً للرؤية الغربية استنفد كامل طاقته، والغرب بحاجة إلى وجه جديد في ليبيا، يعمل أيضاً على تلبية المصالح الغربية، ولهذا السبب سارعت فرنسا إلى الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي، كممثل شرعي وحيد للشعب الليبي، ورئيسه مصطفى عبدالجليل، من جهتها فإن واشنطن على لسان كلينتون لوحت بهذا الاعتراف. الولايات المتحدة ولاعتبارات كثيرة، تنأى عن أن تكون في الواجهة بالنسبة لتطبيق القرار، وهي كما صرّح مسؤول عسكري أمريكي ستدفع باتجاه تسليم القيادة لكل من فرنسا وبريطانيا. على صعيد آخر، فإن من تداعيات تطبيق قرار مجلس الأمن في ليبيا، احتمال الانزالاق إلى حرب أهلية بين الأطراف الليبية، بعد أن كان مسار الأحداث هو بين الجماهير الليبية من جهة، وبين نظام العقيد القذافي من جهة أخرى. نقول ذلك لأن أطرافاً ليبية تقف ضد التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية الليبية. من حيث تطبيق القرار، فإنه وبالتأكيد تجاوز فرض منطقة حظر جوي، إلى مساحة أشمل وأوسع وهي: حماية المدنيين الليبيين، هذا المفهوم قد يستعمل باباً لممارسة المزيد من التدخل الغربي في الشأن الليبي، ولكن في حدود القصف بعيداً عن التدخل البري، فغالبية الحكومات الغربية عانت معارضة داخلية شديدة للتدخل في العراق، وفي أفغانستان حالياً، ونتيجة للخسائر البشرية فيها، فإنها بانتظار اليوم الذي تسمح به الظروف لكل بلد استدعاء قواته العسكرية من أفغانستان، ولذلك من الصعب على هذه الدول المشاركة في حرب جديدة (جبهة جديدة). يبقى القول: إن الأوضاع في ليبيا مفتوحة على احتمالات عديدة، غير أن الثابت فيها أن حكم القذافي وأبناءه ونظامه في طريقه إلى الانزياح، ولم يكن مثل هذا الأمر قريباً، كما يبدو في المرحلة القريبة القادمة.