17 سبتمبر 2025

تسجيل

الصمت... ورقصة المهووس الأخيرة

24 فبراير 2011

باستثناء قطر، لم تُصدر الدول العربية بيانات إدانة لما يجري في ليبيا، باستثناء قرار لجامعة الدول العربية تعلّق عضوية ليبيا في اجتماعاتها، ولولا أن المندوب الليبي فيها انضمّ إلى الثورة، لما صدر القرار. ما يجري في ليبيا هو حرب إبادة جماعية للشعب الليبي، هو جرائم ضد الإنسانية، وهو جريمة حرب بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان، ورغم ذلك تقف معظم الدول الغربية موقف المتفرج مما يحدث، فرئيس الوزراء الإيطالي برلسكوني (لا يريد إزعاج صديقه) ومجلس الأمن الدولي بعد المشاورات التي أجراها حول الوضع في ليبيا، اعتبر أن ما يجري فيها هو (أزمة) - لاحظوا برودة هذا التعبير - بدوره، فإن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يقف صامتاً تجاه ليبيا، في الوقت الذي كان يتحدث فيه كل يوم تقريباً إبّان الثورتين: التونسية والمصرية. من الواضح أن المواقف الغربية متأثرة بإمدادات النفط الليبية لها وبأسعار تفضيلية، وكذلك بالمليارات التي يغدقها القذافي على هذه الدول، تماماً كما أغدقها على متضرري لوكربي، وعلى من تضرروا في حادثة البار. من الواضح أن الغرب عموماً ينحني للنفط الأسود، على حساب الدم الأحمر لليبيين، الذي يريقه القذافي بممارساته الهمجية والفاشية وعدوانه على من يُفترض فيهم أنهم أبناء شعبه، في كل لحظة. وحدها قطر، كانت واضحة في إدانتها للممارسات القمعية للنظام الليبي. على الدول العربية كافة وبلا استثناء، إصدار بيانات الإدانة القوية المماثلة، للمذابح التي يرتكبها القذافي في جميع أنحاء ليبيا، في محاولة يائسة لوقف زحف الثورة. إن التستر وراء عدم إصدار بيانات الإدانة تحت ذريعة إمكانية بقاء القذافي في الحكم، هي ذريعة فاشلة لا تحسن قراءة ما يجري في ليبيا، فهو لن يعود، نعم، لن يعود، ولن يقف لا هو، ولا من بقي من أتباعه وأزلامه ومرتزقته، أمام التيار الجارف للثورة الخطاب الذي ألقاه القذافي (الثلاثاء 22 فبراير الحالي)، هو إعلان حرب على الشعب الليبي، فهذا الخطاب دموي، منفعل، غاضب، تنبض سطوره بعشق الذات واحتقار الآخرين، الذين هم مجمل الشعب. القذافي استعمل في خطابه مفردات أقل من سوقية، باتهامه للثوار ومناداته لهم بالمهلوسين، مدمني المخدرات، الجرذان، المقملين، الوسخين، شذاذ الآفاق، القذافي نضح بما هي صفات فيه، فأي رئيس دولة يطلق على من يُفترض فيهم أبناء شعبه، مثل هذه الصفات. جنون عظمة القذافي، والذي هو بعد الخطاب، أثبت بما لا يقبل مجالاً للشك، أنه ليس أكثر من مريض نفسي، بحاجة إلى علاج في مصح نفسي، لسنوات طويلة، وإلاّ كيف يعد شعبه باستعمال القوة؟ نسأل هذا المجنون: وكل هذه الأساليب القمعية التي تستعملها في ليبيا... أليست هي القوة؟ القذافي حاول أن يبدو قوياً، لكن الارتباك طَبع كل مفردات خطابه، هو لم يبد قوياً مثلما أراد، هو بدا مهزوزاً، مرتبكاً ومرعوباً، ليس إلاّ. القذافي حاول إقناع نفسه، بأنه ما زال يمسك بأوراق القوة، وذلك باستعراض نماذج عديدة: قصف يلتسين للبرلمان الروسي (الدوما)، تدمير جورج بوش الابن للفالوجة، استعمال الجيش الأمريكي للغاز في حرق أبناء الطائفة الداوودية وهكذا. فعلياً بدا القذافي بعد الخطاب ضعيفا، تهيئ له تصوراته خيالات مريضة، يعتبر نفسه أنه (مجد) ليبيا و(شرفها) و(عزتها)، هذا كلام لا يتقن قوله سوى المجانين، والأحق بالقذافي بالفعل أن يكون (عميداً) ولكن (عميد لمن؟)... للمجانين والمهووسين بالطبع، أيضاً تنطبق عليه جملة عميد الجزارين، نعم عميد القتلة، فهو يستحق هذا اللقب أيضاً وعن جدارة كبيرة. لا يدرك القذافي (فمن الصعب عليه إدراك الحقائق كأي مريض نفسي)، أن أتباع نظامه ينفضّون من حوله واحدا واحداً وآخرهم: وزير الداخلية عبد الفتاح العبيدي، الذي تغنى به القذافي في خطابه، ووزير العدل وعشرات السفراء ومئات الدبلوماسيين الليبيين، وكثيرون غيرهم، هذا بالإضافة إلى كتائب عسكرية ليبية عديدة، الذين بقوا مع العقيد القذافي هم المرتزقة الذين استجلبهم من مجاهل إفريقيا. خطاب القذافي هو: احتقار لليبيين ولبني البشرية مجتمعين، فهو بدا وهو يلقي خطابه وكأنه خارج نطاق الجنس البشري، وخارج إطار التاريخ والزمن! وكأنه جاء وتتلمذ على يدي هولاكو وكل السفّاحين وكل الطغاة الآخرين عبر التاريخ، والأخير لن يتوقف عنده بالتأكيد إلاّ باعتباره شخصاً مهووساً أعلن الحرب على شعبه، شعب عمر المختار، الذي قاتل واستبسل ضد الغزاة كلهم ممن احتلوا أرضه. لقد كشفت الأنباء عن زيارة قريبة قام بها نجله سيف الإسلام (الذي هدد هو الآخر الشعب الليبي ووعده بحرب أهلية، وبأنه سيظل يقاتل حتى آخر طلقة، وهو ما كرره الأب في خطابه) إلى إسرائيل، ووعده الإسرائيليون بالوقوف مع والده العقيد. الزيارة ومثلما ذكرت الأنباء كانت بترتيب من محمد دحلان. على العموم فإن العقيد القذافي في خطابه الدموي، بدا ومثلما وصفه أحد المسؤولين الليبيين، بأنه يرقص رقصة الذبيح، بالفعل أصاب بالوصف، فمن المعروف أن رقصة المذبوح تكون، رقصته الأخيرة.